تروم هذه الدراسة إبراز مختلف الأنشطة الاقتصادية والمالية التي مارسها يهود مدن الأطلس وقراه خلال فترة ما قبل الحماية الفرنسة على المغرب، وهي دراسة تاريخية تعالج موضوعًا لم يحظ -فيما نعلم-بأي أهمية على الأقل من طرف الباحثين المغاربة، فباستثناء بعض الدراسات القليلة جدا التي تناولت موضوع الأنشطة الاقتصادية والسياسية ليهود مدن الساحل المتوسطي والأطلنتي، تبقى الدراسات الأخرى التي عالجت الموضوع ذاته عند يهود مدن الدّاخل من طرف بعض الباحثين الأجانب مكرسة بشكل أساس لدراسة جانب محدد من حياة يهود مدينة بعينها دون غيرها، لذلك لم نجد مندوحة عن التعويل على النص الرحلي أو النص الاستشراقي في دراسة هذا الموضوع من جميع جوانبه، والاستعانة في بعض الأحيان بالكتابات اليهودية والمحلية التي عرّجت على ذكر الموضوع المعني بالدراسة في بحر تناولها لموضوع يهود المغرب بصفة عامة. وقد توصلت الدراسة إلى أن الجماعة اليهودية بالأطلس المغربي خلال فترة ما قبل الاستعمار مارست أنشطة اقتصادية متعددة ومتنوعة، ارتبطت بعضها بالظروف الطبيعة والمناخية للمنطقة، وارتبطت أخرى بإقبال الساكنة المحلية على بعض السلع والمنتجات الخاصة، واستطاعت بفضل مهارتها الفائقة وذكائها الحاد أن تراكم ثروات ضخمة أمسى معها عدد من أفرادها تجارًا كبارا، وصُنّاعًا أطبقت شهرتهم الآفاق، وصيارفة لا يُستغنى عنهم من قِبل جيرانهم المسلمين الذين كانوا يقترضون منهم المال عند الحاجة، بل حتى القبائل المغربية، والشخصيات الوازنة، والسلاطين أنفسهم كانوا يضطرّون إلى الاستدانة منهم زمن المحن والشدائد، مثلما فعل على سبيل المثال السلطان مولاي عبد العزيز، حينما استفحلت الأزمة في عهده، وتراكمت عليه الديون، وفشل «الترتيب»، فلم يجد مندوحة عن طلب القروض من تجار يهود فاس.

الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
عبد الغني العمراني، "يهود الأطلس والريادة الاقتصادية والمالية في مغرب ما قبل الاستعمار".- دورية كان التاريخية.- السنة السادسة عشرة- العدد الواحد والستون؛ سبتمبر 2023. ص 153 – 165.