شكّل زمن العصر الوسيط المتأخر مرحلة دقيقة في رسم ملامح تشكل الكيانات السياسية في منطقة بلاد المغرب، بالتساوق مع ظهور تحوّلات كبرى كان قد شهدها العالم المتوسطي شرقا وغربا، وأيضًا بسبب تحوّل الانتباه الأوروبي إلى المسالك البحرية الجديدة المحاذية للسواحل الغربية لبلاد المغرب والواصلة مع العالم الجديد. فضمن هذا الإطار الزماني اخذ مفهوم الحدود السياسية يتبلور في الذهنية المغاربية ثم ليتطور شيئا فشيئا مع الحضور العثماني، لتنزع كل مركزة سياسية إلى وضع حدود معلومة تتحرك فيها الجماعة البشرية المعلنة انتسابها إلى ذلك المجال كمكون أساسي لهويتها. غير انه من الجدير الإشارة إلى ان تلك الحدود ظلت رخوة ومتبدلة إلى حين قدوم المستعمر الأوروبي الذي سعى إلى ضبطها ومراقبة الأماكن الحدودية. ومع تطوّر الوعي الحدودي لدى ساكنة المغارب في الفترة المذكورة فإن ذلك لم يمنع استمرار حركة التنقل بين جهاته للأفراد والقبائل والأفكار ما فتح الباب امام استمرار تبادل العطاءات الثقافية بين مختلف أقاليمه، كما لم تمنع الصحراء من نشوء عمليات تثاقف عميقة بين الفضائين المغاربي وإفريقيا جنوب الصحراء والذي لامس عدة مجالات لاسيما منها الموسيقى الشعبية والطقوس الروحية.
 
الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
عادل النفاتي، "دويلات المغرب من القرن الثالث عشر إلى القرن السادس عشر: حدود سياسية رخوة، لهوية ثقافية منفتحة".- دورية كان التاريخية.- السنة السادسة عشرة- العدد الواحد والستون؛ سبتمبر 2023. ص 106 – 120.