يقتضي البحث في تمظهرات وأشكال العلاقة القائمة بين الماء والحرب في تاريخ المغرب إبان الفترة الوسيطية تسليط الضوء على مختلف تجليات وأبعاد الترابطات والعلائق الكائنة ما بين عناصر هذه الثنائية، وذلك من خلال إبراز دور الماء في تحصين الحواضر والمنشآت العسكرية ببلاد المغرب الأقصى خلال العصر الوسيط، مع تبيان أوجه استخدامات الماء في ساحات الوغى باعتباره وسيلة عسكرية، ثم الإشارة لمختلف التدابير الاحترازية التي اتخذت لاتقاء شر الحصارات التي يوظف فيها هذا العنصر الطبيعي. ولقد استلزم الإبحار في لجة هذا البحث الاعتماد على ترسانة مهمة من التآليف المصدرية المختلفة، تنوعت ما بين كتب التاريخ العام أو ما يصطلح عليه بالكتب الإخبارية التقليدية، وكتب الرحلات والجغرافيا، وكتب الأحكام السلطانية والمصنفات العسكرية، بالإضافة إلى العديد من المراجع والمقالات التي عنيت بذات الموضوع. وهو ما مكننا من تسجيل مجموعة من النتائج المرتبطة بأهمية الماء في مختلف العمليات العسكرية بدءًا من التحصين، والدفاع، وأماكن نزول وتمييز الجيوش، وصولا إلى عمليات الحصار والهجوم. الشيء الذي كان يفرض الحرص التام على ضمان تزود الحواضر بالموارد المائية الكافية قصد التمكن من تلبية مختلف الحاجيات والاستعمالات. وهو ما استوجب القيام بمجموعة من التدابير الاحترازية ذات البعد الاستباقي من قبيل عملية حفر الآبار وحفظ وتخزين المياه بالاعتماد على مجموعة من التقنيات والمنشآت المائية. كما لن يفوتنا استحضار دور هذا العنصر الحيوي المهم في عملية ترسيم الحدود وضبط مجالات السيادة والسلطة بين مختلف القوى السياسية المتصارعة في العديد من المحطات التاريخية المختلفة. ومما ينبغي الإلماح إليه هو أن هذه الورقة البحثية تأتي كمحاولة لاستجلاء معالم الترابط بين الماء والحرب، وذلك في سياق المقاربات والدراسات التي تروم سبر الأغوار الغائبة سوى لماما في بعض إنتاجاتنا ودراساتنا التاريخية.
 
الاستشهاد المرجعي بالمقال:
لمياء جوبير، "الماء والحرب في حواضر المغرب الأقصى: خلال العصر الوسيط".- دورية كان التاريخية.- السنة الخامسة عشرة- العدد الثامن والخمسون؛ ديسمبر 2022. ص 65 – 73.