بعيدًا عن التصوّر المجرّد للذرات الذي اقترحه الفلاسفة، كان لابد من تقديم دليلٍ على وجود الذرات. ولم يكن لمفهوم (الهيولى والصورة) الأرسطي أن يساعد في تقديم الدليل بشكلٍ كافٍ، فالشخص العادي يعلم أن الهيولى الخاصة بكرسي الخشب قد جاءت من الخشب الخام قبل تصنيعه، لكنه لا يملك القدرة على رؤية الذرات التي يتكون منها الخشب، وكذلك الحال مع المواد السائلة والغازية. لذلك كان (الهباء) أو (حبيبات الغبار الدقيقة جدًا) المتناثرة في الهواء أفضل وأقرب مثال يمكن الاستعانة به لتوضيح مفهوم الذرات للناس. وبذلك لم يعد مفهوم (الذرة) أسيرًا للحدس المجرّد حتى وإن كان منطقيًا وواضح التصوّر. نتتبع في هذا البحث التاريخي مراحل تطور ظاهرة الحركة البراونية Brownian Motion التي تحدث في الأوساط السائلة والهوائية، وكيف أن للعلماء العرب إسهامات في رصدها تستحق أن توضع في مكانها في تاريخ العلوم العام. في الواقع ليس بين أيدينا من الأدلة الكافية التي تمكننا الجزم بمسألة تأثر العلماء الأوربيين بما طرحه العلماء العرب عن الحركة البراونية، لذلك من المرجح أنه قد أعيد اكتشافها عندما توفرت لهم وسائل وتقنيات حديثة. لكننا استطعنا في هذا البحث الكشف عن عددٍ من النصوص التي تثبت معرفة العلماء العرب بظاهرة الحركة البراونية.
 
الاستشهاد المرجعي بالمقال:
سائر بصمه جي، "تاريخ دراسة الحركة البراونية ومعرفة العلماء العرب بها".- دورية كان التاريخية.- السنة الخامسة عشرة- العدد السابع والخمسون؛ سبتمبر 2022. ص 33 – 39.