أفرز الصراع الأوربي ــ الأوربي، والأوربي ــ العثماني، في الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط، ظاهرة التِّرحال وركوب هول صعاب الرِّحلة الرسمية التي دُونت مشاهداتها المباشرة أم غير المباشرة في شكل "تقارير رِحلية"، عُرفت بـ: "الرِّحلة السفارية"، أو "الرحلة الدبلوماسية" التي طَبعت وتَطَبعت بمستجدات الفترة الانتقالية للعصر الحديث مع بداية القرن (10هـ/16م)، إلى غاية الخمسينيات منه. فاشتهر على ضوء ذلك مجموعة من المبعوثين السياسيين من الجانبين، الأوربي والشمال إفريقي، في إطار البحث عن صورولوجيا مختلف نواحي الحياة التي كان يعيشها الطرفين، مع امتزاجها بأهداف شخصية في بعض جوانبها، ودواعي سياسية، ورغبات عسكرية، مُسَيَّرة في الكثير من جوانبها من قبل السلطة الدِينية والدُنيوية الحاكمة آنذاك، والتي رُسِمت على اثرها طريق الرِّحلة وخلفياتها، واستحضرت أساليبها ومناهجها الفلسفية في التدوين التاريخي الذي عبرت في خِضِمه الكثير من الشخصيات الرِّحلية، تاريخانية وجغرافية مميزة لتاريخ الطرف الآخر في ظل حركة الاستشراق الذي بدأت ملامحه تظهر بشكل جلي مع المدارس الأوربية وعلى رأسها المدرسة الاسبانية ذات الخلفيات الاستعمارية وقتذاك. لقد نالت شمال إفريقيا اهتمام الرحالة الإسبان على وجه التحديد، من خلال الاطلاع على الإسهامات الفكرية والأدبية لعلماء وأعلام شمال إفريقيا. حيث حاول هؤلاء الرحالة في إطار "رِحلة الأسر" ومفرزاتها الإنسانية والاجتماعية والثقافية، على غرار الرحالة العسكري "مارمول كاربخال" الذي استمد الهيكل العام لمؤلفه "إفريقيا" ومختلف أشكال الكتابة التاريخية من تأليف العالم "ليون الإفريقي"، وكتابه "وصف إفريقيا"، وفق نسق تاريخي ونمطية فلسفية في أسس التأريخ تعتمد على الاقتباس من محتويات الوعاء المعلوماتي لكتاب ليون الإفريقي. وضمن حتمية السيطرة على مقدرات الآخر، برزت مستويات النقد الفلسفي والتخييل التاريخي عند "مارمول كاربخال" وهو يسعى لإعادة صناعة تاريخ مُمَنهج من منظور أوربي صليبي يحول بواسطته رموز الحوادث الواقعية إلى خطاب نفسي وإيديولوجي، يختزل به كل الأبعاد التي قامت عليها المعالم الاجتماعية والثقافية والسياسية والعسكرية... للمجتمعات الشمال إفريقية، في ظل تجربته كرحالة أسير يشبه إلى حد بعيد "ليون الإفريقي" ورِحلاته بين ضفتي البحر المتوسط.
 
الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
محمد بومدين،"دور رحلة الأسر في تأصيل مقاربات تفكير التفكير التاريخي وآلياتيهما الفلسفية عند مارمول كاربخال والحسن الوزان أنموذجًا".- دورية كان التاريخية.- السنة الخامسة عشرة- العدد السادس والخمسون؛ يونيو 2022. ص 188 – 206.