إن التعذيب من أكثر الجرائم انتهاكًا لحقوق الإنسان، وهو من أهمِّ المسائل الجديرة بالدراسة والبحث؛ نتيجةً لخطورة الآثار الناتجة عنه, سواءٌ الجسدية أو النفسية، وقد عُرف "التعذيب" منذ أقدم العصور، مارسه أصحاب المناصب والسلطان لانتزاع اعترافٍ ما, أو العقاب على أمرٍ ما. وفي بداية الدعوة الإسلامية مارسَ كفَّارُ قريش التعذيب على المسلمين الجُدَّد, خاصَّةً الموالي والمستضعفين؛ لإجبارهم على التخليِّ عن الإسلام، واستمرَّت حالات التعذيب في العصور الإسلامية التالية لعصر النُّبوَّة, وصولًا إلى العصر الأيوبي, والذي -رغم الإنجازات التي حقَّقها سلاطين هذا العصر- إلا أنه كان هناك حالات مُورِسَ فيها التعذيب.

يهدف البحث إلى رصد أبرز وسائل التعذيب في العصر الأيوبي, من خلال المصادر التي أشارت إلى تلك الوسائل؛ والتي أدَّت -غالبًا- إلى وفاة المعذَّبين، أو إلى معاناتهم من التعذيب لسنين عديدة لغرضٍ ما، ويهدف كذلك إلى توضيح مصطلح "التعذيب"، وبيان الفرق بين "التعذيب الجسدي" و"التعذيب النفسي".

وتنبع أهميَّة هذه الدراسة من تسليط الضوء على الجوانب المظلمة في العصر الأيوبي، والتي نجد شواهدها في المصادر التاريخية المعاصرة لتلك الفترة الزمنية.

وقد استوجبت الخطة البحثية لهذا الموضوع استهلاله بمدخل تعريفي بمصطلح "التعذيب"، والحديث عن موقف الإسلام من التعذيب، ثم تناول البحث وسائل التعذيب بعد تقسيمها إلى محورين: التعذيب الجسدي, والتعذيب النفسي.