يُعد التاريخ الاقتصادى للمقاطعات أحد أهم الموضوعات، التى نالت اهتمام عدد من الباحثين، فقد كانت دراسة عبد الرحيم عبد الرحمن تعدُّ بمثابة أول محاولة حقيقية لتناول تاريخ المقاطعات، إلا أنها اكتفت بالوقوف على الهيكل التنظيمى للمقاطعات بشكل عام، وقد حاول محسن شومان أن يتجاوز هذه المحاولة عند تأريخه للمقاطعات، صحيح أنه قام بالتركيز على دراسة المقاطعات كوحدة إدارية متجانسة، غير أنه يعدُّ أول من قام بتسليط الضوْء على بعض أشكال المقاطعات، وإدارتها في العصر العثماني، ومؤخراً بدا الاتجاه نحو التطرق إلى تناول المقاطعات بشكل منفصل.
إن دراسة المقاطعات تتيح للباحثين المقاربة بين القطاعات الاقتصادية المختلفة، لنخرج منها بنتائج ثرية، والقارئ لتاريخ المقاطعات يجد أن قوانينها المنظِّمة لها متنوعة، وتختلف من مقاطعة إلى أخرى؛ لذا أشار شوكت باموك إلى أن قوانين المقاطعات العثمانية، لم يتم يتطرق إليها بالشكل الوافي، وصحيح أن المقاطعات قد تمت إدارتها من خلال نظام الالتزام، كما سوف نرى، إلا أن إدارة الالتزام، ومهامه الإدارية اختلفت عن إدارة المقاطعات إلى حد كبير. ومن هنا، فإن هذه الورقة البحثية سوف تقوم بشكل مفصَّل لدراسة أحد أهم الكيانات الاقتصادية (مقاطعة الخمور)، وقد اتخذنا من العام 1658، (الذي يرجح بدء نظام الالتزام في مصر، كما سيأتي لاحقاً، بداية لهذه الدراسة، وتوقفت الدراسة عند العام 1891، الذى صدرت فيه لائحة المحلات العمومية، التي يبدو أنها ألغت نظام المقاطعات، ودراسة هذا الهيكل التنظيمي- المتعلِّق بالخمور- أمرًا شائكًا ومعقَّدًا جدًّا، اضطررنا إلى تجميع شتات العديد من الوثائق، للوقوف على تاريخ المقاطعة، وتطورها، في محاولة من شأنها أن تضاف إلى "تأريخ المقاطعات".