عند تحليل دور القيادة السياسية في تحديد مضمون المصلحة القومية نجد أن حالة روسيا تُظهر العديد من الأمور التي تستحق التحليل والدراسة، فنجد أنه في الوقت الذي انسحب فيه جورباتشوف من جميع دوائر السياسة الخارجية، انخرط بوتين في الشؤون العالمية بشكل مكثف. وإذا كان دور جورباتشوف في تحديد مضمون المصلحة القومية السوفيتية كان يعني إنهاء الحرب الباردة والتحول عن النسق الدولي الثنائي، نجد أن بوتين قد حدد مصلحة قومية روسية قوامها العودة إلى قطبية النسق الدولي لاستعادة مكانةً دوليةً مفقودةً. وعندما نحلل سياسات جورباتشوف الخارجية فإنها تأتي في سياق مباديء الليبرالية السياسية، متمثلة في سياسات داخلية قوامها البيروسترويكا والجلاسنوست، وأخرى خارجية قوامها إنهاء الصراع مع الغرب. في حين نجد أن سياسات بوتين تندرج تحت الواقعية السياسية والبعد عن الليبرالية وعودة الصراع مع الغرب ومحاولة الهيمنة؛ الأمر الذي يُظهر بما لا يدع مجالاً للشك الدور الجوهري للقيادة السياسية في تحديد مضمون المصلحة القومية، تلك المصلحة ذات الجوهر الثابت والمضمون المتغير بتغير العديد من العوامل، لاسيما القائد السياسي للدولة.