انطلاقا من ارتباط ظاهرة التكفير بواقعها الاجتماعي والسياسي، وخطورة تداعياتها، التي ما زالت تعاني منها المجتمعات العربية الإسلامية، وعدم الاهتمام بها على صعيد الدراسات التاريخية بشكل يليق بها ؛على عكس ما خصص لها من الدراسات الشرعية، تأتي أهمية هذه الدراسة ، التي اختارت بلاد المغرب الإسلامي كمجال لها ؛ والتي عانت أكثر من غيرها من بقاع العالم الإسلامي حيث اجتمعت فيها الاتجاهات السنية مالكية وحنفية وأشعرية، والخارجية أباضية وصفرية ونكارية، والشيعية إسماعيلية، والتي عمدت في مجموعها إلى تكفير بعضها البعض، فضلا عما كرسه قانون الغلبة من استحلال القتل والسبي وانتهاك الحرمات، وحجب الرأي والإقصاء وتقييد الحريات، وانعدام الأمن النفسي والاجتماعي وهو ما ولد آثارا نفسية بالغة الخطورة؛ خلقت أنماطا من السلوك الإنساني تراوح بين المواجهة والمداراة والمداهنة والتقية والصمت والعزلة والهجرة وغيرها من أشكال السلوك الذي عبر عن واقع متأزم. ومن ثم تسعى هذه الدراسة إلى التنبيه على خطورة عدم قبول الآخر وضرورة احترام أفكاره ومعتقداته، وتدعو إلى نبذ الشقاق والالتفات إلى المشكلات الحقيقية التي تعاني منها مجتمعاتنا المعاصرة داخليا وخارجيا، من خلال تقديم تجربة بلاد المغرب مع ظاهرة التكفير من القرن الثالث حتى القرن الخامس الهجري.