يتناول هذا البحث أركان الجريمة المرتكبة داخل عالم الميتافيرس المستجد في ظل التنامي غير المسبوق في القدرات التكنولوجية التي يخولها هذا العالم لمستخدميه. إذ تتيح خواص الميتافيرس المتفردة على سابقاتها من التكنولوجيا تجربة فريدة للمستخدم، تتجلى هذه الخواص في أن المستخدم لا ينحصر وجوده على مجرد التفاعل الجامد مع الموجودات كما يحدث في حالة الإنترنت مثلًا، بل أنه يمكن أنه يشعر ويتفاعل "فزيائيًا" مع الموجودات والمؤثرات البصرية والحسية داخل الميتافيرس، فيمكنه من ملامسة الأشياء والتفاعل ماديًا مع غيره من المستخدمين في تجربة تحاكي إلى حد بعيد العالم الحقيقي.
ومن غير المستبعد أن يجنح بعض المستخدمين إلى ارتكاب سلوكيات إجرامية اعتمادًا على ما يتيحه الميتافيرس من قدرة غير مسبوقة على تفاعل البشر مع بعضهم مع إزالة تامة للعوائق المادية والجغرافية، إذ يمكن لمستخدم أن يقتل مستخدمًا آخر رغم تواجد كل منهم في دولة مختلفة تمامًا، فإذا كانت التكنولوجيا تسمح لنقل الشعور بما فيها الإحساس بالألم فما الذي يمنع أن يوجه مستخدم لآخر ضربة تؤدي إلى وفاته؟



والقانون الجنائي إذ يُعنى بتعريف السلوك الإجرامي والعقاب عليه يواجه العديد من التساؤلات حول انسحاب القواعد التقليدية خاصة ما يتعلق منها بمفهوم الركن المادي للجريمة وكذلك الركن المعنوي، فهل يمكن أن يقوم الركن المادي في حق الجاني إذا كان هناك فصلًا بين جسده الذي يظل حبيس العالم المادي وبين وعيه وإدراكه الذي يرى ويتفاعل مع موجودات افتراضية؟ وعلى نفس المنوال يمكن النظر إلى ركن الجريمة المعنوي الذي يصعب إسناده إلى شخص الجاني بالنظر إلى نفس العوامل.

وعليه، يسعى هذا البحث إلى فهم أركان الجريمة المرتبكة داخل الميتافيرس في ضوء أحكام القانون الجنائي المصري بشكل رئيسي وغيره من القوانين المقارنة من أجل رسم تصور عام لطبيعة الجريمة المرتكبة داخل ذلك الفضاء الافتراضي الجديد.