ظهرت في الآونة الأخيرة ما يسمى بالمحاكمات الإعلامية، تلك التي تتعلق بقضايا عرفت بقضايا الرأي العام، وهى قضايا ذات شأن تجذب اهتمام الجمهور، وفيها تنصب أجهزة الإعلام نفسها مَحْكمة جنائية، ويرتدى الإعلامي ثوب رجل القضاء على غير حق، ولا يكتفى بنشر الوقائع بل يعمد إلى نشر اعترافات المتهم وينتقل معه لتمثيل جريمته، ويعقد اللقاءات مع أهلية خصوم الدعوى ولقاءات أخرى مع أطياف الشعب المختلفة لبيان حكمهم في تلك القضية، فيكوَّن بذلك رأيا عاما يتعاطف مع أحد الخصوم أو يناصبونه العداء، ويوجهون هذا الشعور إلى الحكم له أو عليه قبل أن تقول المحكمة الحقيقية كلمتها. وهنا يثار التساؤل: هل يتأثر حياد القاضي بذلك التناول الإعلامي لتلك القضايا؟ وهل يتأثر الرأى العام بهذا التناول الإعلامي بحيث ينعكس ذلك على ثقته في المؤسسة القضائية أم لا؟ وإذا كانت الدعوى الجنائية تمر بعدة مراحل تبدأ من مرحلة جمع الاستدلالات ـ التحقيقات الأولية، مرورا بمرحلة التحقيق الابتدائي، وصولا لمرحلة المحاكمة التى تنتهي بصدور الحكم. فهل يحق لوسائل الإعلام المختلفة نشر المعلومات التى تتوصل إليها في أي مرحلة من هذه المراحل تطبيقا لمبدأ علانية المحاكمة؟ أم أن لكل مرحلة قواعدها التى تتميز بها؟ وهل هناك حدود لهذا النشر أم أنه يأتي على اطلاقه؟ وهل يمكن أن يؤثر النشر على سير الدعوى؟ وفي هذه الدراسة سوف نجيب عن الأسئلة السابقة ، حيث نجيب عنها من خلال التعريف باستقلال كل من القضاء والإعلام وبيان العلاقة بين استقلال القضاء والرأي العام، ثم نوضح مراحل التناول الإعلامي للمحاكمات الجنائية والطرق المختلفة التى يتناول بها الإعلام تلك المحاكمات وضمانات عدم تأثر القاضي بوسائل الإعلام المختلفة. على أن نبين في نهاية الدراسة بعض من نماذج قضايا الرأي العام.