اختلاف الروايات من أكثر الظواهر شيوعا في الشعر العربي القديم، وهي نتاج أسباب ودوافع مختلفة، نرصد في هذا البحت تلك الدوافع والأسباب التي أدت إلى وجود هذه الظاهرة انطلاقا من وجود نوعين من الروايات المختلفة؛ روايات نتجت بسبب التحول من الثقافة الشفاهية إلى الثقافة الكتابية، وروايات نتجت عن قصد، وكان لوجودها دوافع دينية واجتماعية وفنية ولغوية.
تمثل أثر الانتقال من الشفاهية إلى الكتابية في تلك الروايات الناتجة عن اختلاف اللهجات، و إنشاد الشعر في أكثر من مرة، والتصحيف والتحريف الذي نتج عن المرحلة الأولى لتدوين النصوص، إذ كانت الكتابة خالية من النقط والشكل، مما فتح النصوص على احتمالات مختلفة للقراءة . اما الدوافع فكان لكل منها أثره في تعديل وتغيير نصوص بعينها، فالدافع الديني تجلى في تلك النصوص التي غيرت لتوافق القيم الإسلامية ، ومثله الدافع الاجتماعي حيث غيرت النصو ص من أجل اكتساب مديح أو تجنب هجاء، ويعد الدافع الفني الأكثر أهمية، حيث عدِّلت النصوص للتخلص من العيوب التي لحقت الشعر في مرحلة إنتاجه الاولى، خاصة شعر المطبوعين الذين لم يكونوا يعنون كثيرا بتنقيح أشعارهم، وهو يشمل تلك الروايات التي نتجت بسبب التوجيهات النقدية، وما عرف بإصلاح الشعر الذي قام به بعض الرواة، وكان منه إصلاح عيوب العروض والقافية، وإصلاح المخالفات النحوية، وإصلاح الصياغة الذي أنتج روايات جديدة لنصوص كانت موجودة، ولكنها لم توافق الأسس الفنية لدى النقاد والبلاغيين، والدافع اللغوي تمثل في محاولات تغيير النصوص انتصارا لمدرسة لغوية معينة، أو صناعة بعض الشواهد التي تدعم بعض التوجهات النحوية.
وخلص البحث إلى نتائج من أهمها:
لم يكن التحول من الثقافة الشفاهية إلى الكتابية عاملا حاسما في وجود الروايات المختلفة، فقد لعبت دوافع اخرى الدور الأكبر في إنتاج الروايات المختلفة.
لم يقتصر التغيير في النصوص على الرواة، بل تعداهم إلى الشعراء، والنقاد، واللغويين، وحتى المتقي العادي للنصوص الشعرية.
ظلت ظاهرة اختلاف الروايات موجودة رغم تدوين النصوص، لأنها ظلت تحمل شماتها الشفاهية، بالإضافة إلى دور النساخ المتمثل في التصحيف والتحريف.