مدخل:
إن النظر إلى المستقبل أصبح عاملاً أساسياً فى صنع السياسات العلمية والتكنولوجية وفى "الفصل الإستراتيجى"، كما أصبح أكثر أهمية عما قبل فى عصر متزايد التعقيد وسريع التغير- خاصة فى المجالات التكنولوجية والاقتصادية، أنه فى عصر "الثورة الصناعية الرابعة"، حيث تتزايد الحاجة إلى "قرارات أساسية" تقوم على معلومات دقيقة يتم جمعها بشكل منظم ومنتظم. والملفت أن استشرافات وتوقعات مستقبل العلم والتكنولوجيا قد أثبتت هى الأخرى نفسها كوسيلة أساسية، وكمصدر للذكاء الإستراتيجى الذى تقوم عليه السياسة العلمية فى أى قطر.
وفى هذه الحدود؛ يجب ان ننبه "لمفارقة أساسية" فى هذا الصدد تتجلى فى كون أنشطة العلم والتكنولوجيا ((S&T والتى هى جوهر السياسات العلمية- هى أساساً أنشطة "خلق المعرفة"، ولكن تكاليف خلق وإنتاج هذه المعرفة ترتفع ارتفاعاً متسارعاً يكاد يكون "لوغارتمياً".
كما أننا من ناحية مقابلة؛ نجد أن الاستثمار فى أنشطة العلم والتكنولوجيا ينطوى على حد تعبير shin (1) على قدر كبير من "اللايقين"و"المخاطرة بالخسارة"، لذا، فمن أجل تقليص التكاليف ونسب المخاطر، فإنه من الضرورى لصناع السياسة العلمية ومتخذى القرارات أن ينظروا من خلال منظور بعيد المدى.. وبأسلوب علمى منهجى متضمناً الخلفية المحيطة بكل من العلم والتكنولوجيا، وذلك حتى يتم تحقيق فهم أفضل لبيئة المستقبل وسياقاتها، والإحاطة "التقديرية" بحجم التغيرات المطلوبة بهدف وضع سياسات عملية ملائمة لها. خاصة مع تزايد التحولات والمستجدات الهيكلية، بفرصها ومخاطرها التى أتت بها الثورة الصناعية الرابعة.
وأيضاً فى التطورات والمستجدات العلمية والتكنولوجية المتلاحقة، فى ظل مجتمع بات يتشكل باستمرار بالمعلوماتية والمعرفية ويموج بالتعقيد، وتحكمه تغيرات جوهرية فى نظم العمل والشيخوخة والبطالة بالإضافة إلى مستجدات علمية وبيئية وصناعية وقيمية متسارعة.
تأسيساً على ذلك؛ بات على مؤسساتنا العلمية والتكنولوجية والمجتمعية ليس فقط التعامل بثقة مع مشكلات الحاضر، وإنما يتجاوز ذلك إلى إعداد الكوادر العلمية والبحثية المؤهلة والمبدعة القادرة على الاعتماد على قواعد المعرفة العلمية والتكنولوجيا المتقدمة ((High-tech ونقلها وتطبيقها، بل وأخذ زمام المبادرة فى الاقتصاد بما يضمن الارتقاء بالعقل والأداء الإنسانى، والارتفاع بالإنتاجية، وبما يقود إلى تحولات فى شكل العمل بما ينقله من الروتينية إلى الإبداعية. الأمر الذى تتمخض عنه نظم الإنتاج الموجهة بالمعرفة (Knowledge oriented production system) ، وتجسد فى تحليلها النهائى، التوجهات التعليمية (Educational orientations) التى تصبح البنية التحتية الدينامية للتنمية، ويصبح "مكون العلم والتكنولوجيا" بالتالى القطاع الرائد فيها، حيث يطالب بتعظيم القدرات الفردية والمجتمعية للتعامل مع آفاق المستقبل إن تكيفاً او ضبطاً.