لقد أثارت شخصية موسى بن ميمون وآراؤه الفلسفية، خصوصا تلك التي بثّها في كتابيه "دلالة الحائرين" و "تثنية التوراة"، حالة كبيرة من الجدل داخل المجتمعات اليهودية في المشرق والمغرب على حد سواء. وقد انقسم اليهود، إثر هذا الجدل، إلى مؤيد ومعارض؛ ففريق يناصر ابن ميمون ويرفعه إلى مصاف الملائكة والأنبياء، وفريق يرى في آرائه الفلسفية نوعا من الزيغ والضلال. وقد حاول كل فريق الانتصار لرأيه في هذا الجدل، بكل ما أوتي إلى ذلك سبيلا. وقد كان الشعر أحد الوسائل المتاحة أمام هؤلاء وهؤلاء. ويأتي هذا البحث ليُلقي الضوء على هذه الأشعار وطبيعتها والموضوعات التي تطرق إليها كل فريق؛ ففي الوقت الذي اكتفى فيه المؤيدون بمديح ابن ميمون وذم معارضيه، دون التطرق مطلقا إلى قضايا ذات بال؛ فإننا نجد المعارضين يثيرون عنده مسائل كثيرة، كانوا قد وقفوا منها موقف الشك العظيم، مثل رأيه في مسألة التجسيد الإلهي، والبعث، والإيمان بالمعجزات، وغير ذلك من القضايا التي خالف فيها ابن ميمون الموروث اليهودي وتطرق إليها بشكل جديد تحت تأثير المدارس الفلسفية التي كانت سائدة في عصره، والتي حاول التوفيق بين آرائها وما وجده في التراث اليهودي.