شهد العالم طفرة غير مسبوقة في تكنولوجيا المركبات ذاتية القيادة، التي من المتوقع أن تُحدث تحولًا جذريًا في أنظمة النقل. ومع الفوائد المتوقعة مثل تقليل الحوادث المرورية وتخفيف الازدحام، تبرز إشكاليات قانونية عديدة تستدعي اهتمامًا بالغًا. يتطلب غياب السائق البشري إعادة صياغة المفاهيم التقليدية للمسؤولية المدنية، حيث لم تعد الأخطاء البشرية وحدها سببًا للحوادث، بل أصبحت أعطال البرمجيات وعيوب التصنيع عناصر رئيسية تستدعي تحميل المسؤولية.
يتناول هذا البحث أبعاد المسؤولية المدنية في ضوء هذه التطورات، ويحلل كيفية توزيع المسؤولية بين الجهات المعنية، مثل الشركات المصنعة ومطوري البرمجيات وملاك المركبات. كما يستعرض البحث عدة أمثلة تشريعية من دول رائدة، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى تحليل الأطر القانونية في الدول العربية، للكشف عن الفجوات القانونية القائمة واقتراح حلول عملية.
ومن أبرز التحديات التي يواجهها التشريع هو ضمان تحقيق التوازن بين تحفيز الابتكار التكنولوجي وحماية حقوق الأفراد المتضررين من الحوادث. يجب أن تتيح التشريعات آليات فعّالة لتعويض الضحايا وتقديم ضمانات قانونية قوية. كما يبرز البحث أهمية تطوير سياسات واضحة للرقابة على البرمجيات المستخدمة في هذه المركبات، بما يضمن مطابقتها لمعايير السلامة.
تقدم الدراسة في الختام توصيات تشريعية تشمل تبني أطر تنظيمية مرنة قادرة على التكيف مع التقدم المستمر في تكنولوجيا المركبات الذكية. كما تشدد على أهمية نشر الوعي المجتمعي حول هذه التكنولوجيا، لتعزيز ثقة الجمهور وضمان استخدام آمن وفعال. إن تطوير برامج تدريبية وتعليمية تستهدف تعريف الأفراد بكيفية التعامل مع هذه المركبات يعد جزءًا لا يتجزأ من عملية التحول إلى أنظمة النقل المستقبلية.