يتناول هذا البحث النقد الشعري عند العرب قبل الإسلام، مع التركيز على تحليل منهجياته وتطبيقاته التي شكّلت جزءاً أساسياً من التراث الأدبي العربي. إذ تميّز النقد الأدبي في تلك الحقبة بخصائص فريدة تتجلى في الاعتماد الكبير على الذوق الفطري والعفوية في إصدار الأحكام، حيث لم تكن هناك منهجية نقدية واضحة أو قواعد محددة توجه النقد. بدلاً من ذلك، اعتمد النقاد على الانطباعات الشخصية واللحظية التي تكونت لديهم عند سماع الشعر، مما أدى إلى أحكام سريعة وارتجالية، تفتقر غالباً إلى التحليل المفصل أو التعليل المنطقي. وقد جاءت هذه الأحكام في كثير من الأحيان موجزة ومباشرة، تعكس بساطة النقد وتناسبه مع طبيعة الحياة البدوية والمجتمع الجاهلي.
يستعرض البحث أيضاً تأثير السياق الثقافي والاجتماعي على النقد الشعري الجاهلي، مسلطاً الضوء على الذوق الفطري الذي كان المعيار الأساسي في تقييم الأعمال الأدبية. هذا الذوق، الذي كان نابضاً بالحس الجمالي والفنّي الطبيعي، يعكس طبيعة المجتمع الجاهلي وثقافته، حيث كان الناس يتفاعلون مع الشعر بشكل مباشر وفوري، دون الحاجة إلى تنظير أو تعقيد.
ورغم البساطة والعفوية التي اتسم بها النقد الأدبي في تلك الفترة، إلا أنه يشكل جزءاً لا يتجزأ من التراث الأدبي العربي. فهو يوفر فهماً أعمق لأصول الأدب العربي وتطوره عبر الزمن، ويساهم في إبراز الجوانب الفنية والذوقية التي كانت سائدة في المجتمع الجاهلي. يستنتج البحث أن النقد الشعري الجاهلي كان تعبيراً طبيعياً وصادقاً عن تفاعل النقاد مع النصوص الشعرية، مما يدل على درجة من الذوق الفني والنضج الأدبي في تلك الفترة الزمنية، ويعكس تفرّد الأدب العربي القديم في قدرته على الجمع بين البساطة والعمق.