تناول هذا البحث أحد شُيُوخ البُخاري المتكلَّم فيهم في "الصَّحيح"، وهو: "بَدل بن المُحبَّر" وتكمُنُ أهمية هذه الدِّراسة في البحث عن ردُودٍ علميَّة رَصِينة للشُّبه والشُّكوك المُثارة حول روَّاة "صحيح البُخاري" أصحِّ كتب السنَّة، وأعلاها شرفاً ومنزلة، وتواتراً وقبولاً بين الأئمَّة والعلماء والمحقِّقين بالإجماع. ويهدُف البحث لإبراز المكانة العلميَّة التي حَظِي بها الإمام البُخاري، والعبقرية الفذَّة التي تميَّز بها في تصنيف كتابه، والردّ العلمي المتين على مدَّعي الشُّبه في إخراجه لأحاديث روَّاةٍ ضُعفاء طُعن فيهم عند أئمَّة النَّقد، وبيان منهج البُخاري في إخراجه للرَّاوي المتكلَّم فيه "بدل بن المحبَّر"، وبيان حال مروياته، وبيان رُجْحَان ما اختاره البُخَاري من مرويَّاته في الصَّحيح. وكانت أبرز نتائج البحث: عدم ثبُوت جرح "بَدَل بن المـُحبَّر" عند البُخاري، لذا أخرج له أحاديثه في أصوله احتِجاجاً، ولو وقف على جرحٍ له لردَّ روايته، كما أنَّ قَبول البُخاري رواياته واحتِجاجه بها يشهد بتوثيقه، كيف وقد ثبت توثيقه بإجماع الأئمَّة النُّقَّاد له كأبي حاتِم، وأبي زُرْعة الرَّازيَّان، كما أنَّ الطَّعن بالتَّضعيف الموجَّه لشيخ البُخاريّ "بَدَل بن الـمـُحبَّر" انفرد به الإمام الدَّارقُطنيّ ‌، وقَيَّده بحديثٍ بعينه، رواه عنه زَائِدَة، ولمْ يروِ البُخاري في "الصَّحيح" عن بَدَل عن زَائِدَة مُطلَقاً، وسائِرُ مرويَّاته في "الصَّحيح" عن الإمام الحُجَّة الحافظ الثَّبت شُعبة بن الحجَّاج، وعليه: فإنَّ "بدل بن المُحبَّر" ثقةٌ يُحتجُّ بحديثه، ولم يتكلَّم فيه أحدٌ سِوى الدَّارقُطنيّ، وهو مُقيَّدٌ بحديثٍ بعينه، ووقوع الخطأ من الثِّقَة محتمل على فرض وقوعه، والحديث ثابتٌ وله أصلٌ وشُهرةٌ في الصَّحيحين؛ لذا لم يَقبل الذَّهبي القول بتضعيف بَدَل، ووَصَفَ ابن حَجَر ذلك بالتعنُّت.