شهدت مدينة کورکيرا عام 427 ق.م. ثورة عارمة وأحداث عنف واقتتال عنيف بين الديمقراطيين والأوليجارخيين. وجاءت هذه الثورة ردا على الانقلاب الأوليجارخي على الحکم الديمقراطي القائم. حيث أراد الأوليجارخيون أن يقطعوا کل صلات التحالف بين مدينتهم وبين أثينا خلال حروب البليبونيسوس، کما أنهم کانوا مدفوعين في انقلابهم بتداعيات الصراع المحموم بين کورکيرا وکورنثة إزاء الصراعات الداخلية التي شهدتها مدينة إبيدامنوس، ومن يحق له تسوية الأمور هناک. ولم يکتب لهذا الانقلاب الأوليجارخي المدعوم من کورنثة وأسبرطة النجاح، حيث راح الديمقراطيون يستعينون بالأسطول الأثيني، وأخذوا ينظمون صفوفهم لقتال هؤلاء الأوليجارخيين. وقد انخرطت القوى الکبرى في هذا الصراع الداخلي، حيث راح الأسطول الأسبرطي يقدم الدعم للأوليجارخيين، بينما ساند الأسطول الأثيني الديمقراطيين. ومن ثم؛ فإن هذه الحلقة الدقيقة من الصراع الداخلي في کورکيرا کان لها تداعيات خطيرة، سواء على مستوى انهيار واضطراب الاستقرار الداخلي في کورکيرا وتصاعد وتيرة الصراع بين الفصائل السياسية المختلفة، وسواء على الصعيد الخارجي حيث أدى هذه الصراع الداخلي إلى احتدام الصراع بين القوى الخارجية الکبرى وانخراطها في غماره. کما أن هذه الثورة التي شهدتها کورکيرا تقدم نموذجا لثورات مختلفة قامت بها بعض المدن الإغريقية؛ لتثور على سيطرة إحدى القوتين العظميين –أثينا وأسبرطة- وتنضم إلى الأخرى، مستغلة اندلاع حروب البليبونيسوس وما أدت إليه من خلق حالة من الاستقطاب السياسي والعسکري. وعلى هذا النحو، تقدم ثورة کورکيرا نموذجا لمدى التشابک والتعقيد بين اندلاع حروب البليبونيسوس من ناحية، وبين اندلاع الثورات في العديد من المدن الإغريقية من ناحية أخرى، وکيف کان التأثير والتأثر المتبادل بين التدخلات الخارجية للقوى الکبرى والصراعات الداخلية التي شهدتها المدن الصغرى.