إن العصر الذي نعيش فيه عصر حقوق الإنسان كما يحلو للبعض تسميته هو في الوقت نفسه عصر العقوبات , فبالموازاة مع الكم الهائل من الاتفاقيات والعهود المرتبطة بحقوق الإنسان هناك كم هائل من الخروقات والانتهاكات سواء لحقوق الإنسان أو للقانون الدولي أو للشرعية الدولية , والتي تعالج بكثير من الجزاءات أو العقوبات([1]) .
و العقوبات الدولية وفي مقدمتها العقوبات الاقتصادية لم تكن وليدة الصدفة بل هي قديمة قدم الحضارات التي مارستها , والتي استخدمت على نطاق واسع عبر التاريخ روما وبرلين وانجلترا والقدس .... إلخ, والأمثلة العديدة الأخرى التي يمكن أن تصف لنا كيف كان من الشائع تنفيذ الحصار والإغلاق لإجبار الخصم للإذعان لمطالب الطرف القوي الذي كان يسعى دائماً لإخضاع الخصم لإرادته بأضعاف قدراته وقطع علاقاته الخارجية والقضاء على تجارته وحرمانه من ضروريات الحياة , بل أكثر من ذلك شل فاعليته العسكرية والاقتصادية وكل هذا بهدف تحقيق الانتصار الساحق الذي لم يكن يتحقق دائماً بالقوة العسكرية وحدها , فغالباً ما اعتبرت العقوبات الاقتصادية على مر العصور أسلوباً يضمن تكلفة أقل مقارنة بالحرب بالنسبة للذي يصدرها وباهظة الثمن بالنسبة لمن تصدر في حقه وتطبق عليه , هذا الثمن الباهظ الذي كان يرتبط بمنطقة العقوبات الاقتصادية الذي ظل على فكرة تجويع العدو للقضاء عليه لتشكيل قاعدة لسياسة خارجية مشروعة ومؤسسة أخلاقياً على مبررات عدة حافظت على استمرارها لأكثر من ألفي عام([2]) .
هذا المنطق استمر حتى مع اتسام العقوبات الاقتصادية بالطبيعة القانونية – ظهور المنظمات الدولية – وتحول العقوبات الاقتصادية بالطبيعة القانونية – ظهور المنظمات الدولية – وتحول العقوبات الاقتصادية من قاعدة عرفية الى قاعدة قانونية مكتوبة في عهد عصبة الأمم المتحدة بداية ثم ميثاق الأمم المتحدة لاحقاً , إلا أن هذا المنطق اصطدم مع منطق الإنسان وحقه في الحياة والصحة والتعليم .. وعدة حقوق أخرى أبرزت مع إطلاق إعلان عالمي لحقوق الإنسان عـام 1948م والذي تعزز بمجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والآليات التي تهتم بمراقبة وتعزيز حقوق الانسان وفي مقدمتها العهدين الدوليين لحقوق الإنسان عـام 1966م والمصادق عليها عام 1976م , والتي لم تلغ المنطق القسري والمنطق اللاإنساني لتطرح فكرة المواءمة بين المنطق القسري والمنطق الانساني بعدما تم اللجوء المفرط من قبل الأمم المتحدة لهذه الآلية في فترة التسعينات من القرن الماضي والتي تسمى "بعقد العقوبات" حيث تم تسجيل و رصد مجموعة من حلقات العقوبات الاقتصادية اللاإنسانية إلى درجة أن البعض وصفها بالإبادة الجماعية المخطط لها كما حدث مع العراق وليبيا ويوغسلافيا وهايتي ... إلخ , ومن قبلهما نظام صدام حسين الراحل في العراق منذ عـام 1997م , وغيرها من حلقات العقوبات الذكية التي يفترض أنها تؤثر على السكان المدنيين بنفس طريقة العقوبات الاقتصادية الشاملة([3]) .
[1]) عمر سعدالله – حقوق الإنسان وحقوق الشعوب – ديوان المطبوعات الجامعية – الجزائر 2005م صــ11.
[2]) رضا قردوح– العقوبات الذكية ومدى اعتباراها بديلاً للعقوبات الاقتصادية – رسالة ماجستير, جامعة العقيد الحاج خضر "كلية الحقوق والعلوم السياسية" – 2011م – صـ1.
[3]) الدسوقي, أبوبكر – العراق والعقوبات الذكية – مجلة السياسة الدولية, السنة 37 – العدد 145 – 2001م.