على خلاف المسائل الجنائية التي تجيز للمتهم الاعتصام بالحق في الصمت فإن غالبية التشريعات المقارنة لا تمنح للخصم ذات الحق في القضية المدنية؛ فالخصم مكلف بالمساهمة في إظهار الحقيقة بموجب المادة العاشرة من القانون المدني الفرنسي والمادة الحادية عشر من قانون المرافعات الفرنسي، وهذا الالتزام يتطلب منه أن يكون له دورا إيجابيا في القضية المدنية، بحيث لا يجوز له أن يعتصم بالسكوت في بعض المواقف والمسائل الإجرائية وإلا اعتبر ذلك سلوكا غير مشروع يعاقب عليه نظير تسببه في عرقلة الكشف عن الحقيقة من ناحية وإطالة أمد التقاضي من ناحية أخرى. وهذا الأمر استدعي منا أن نفتتح هذه الدراسة ببيان ماهية السكوت وأنواعه وتمييزه عما يتشابه معه من ألفــاظ وأساســه الفني ومجالاتــه ( باب تمهيدي)، ثم تتبع الأثر القانوني المترتب عليه.
وترتيبا على ذلك، فقد رتب القانون على سكوت الخصم في المرحلة السابقة على بدء الخصومة(الباب الأول) أثـــارا خطيـــرة، وهو ما يستدعي دراسة أثر سكوت المدعي عن اللجوء إلى بعض اللجان التي أوجب القانون اللجوء إليها قبل عرض النزاع على المحكمة المختصة (فصل أول) ، وأثر سكوت الخصم عن التحفظ والاعتراض على إسناد الولاية القضائية بنظر النزاع ذات العنصر الأجنبي للمحاكم الوطنية( فصل ثاني)، وأثر سكوت الخصم عن الاعتراض على إدراج شرط حق الطعن بالاستئناف على حكم التحكيم في اتفاق التحكيم( فصل ثالث).