ملخص البحث:  إن من أهم القضايا التي شغلت أذهان الفلاسفة في مختلف العصور الفلسفية هي الميتافيزيقا وما تكتنفه من قضايا ومباحث مثل وجود الله وعلاقته بالعالم، ومسألة قدم العالم وحدوثه وما إليها من قضايا مهمة وخطيرة في نظر الدين وفي نظر الفلسفة معا، حتى سماها الأقدمون منهم الفلسفة الأولى أو الفلسفة العليا، وقد احتدم الجدل بين الفلاسفة -ولا يزال-حول الميتافيزيقا إثباتا ونفيا، وكذلك حول قضاياها ومباحثها، ومن أكثر الفلاسفة الذين عنوا بالجانب الميتافيزيقي من الفلسفة أو الفلسفة الميتافيزيقية هم الفلاسفة المسلمون، حيث كان طبيعيا أن تشغلهم القضايا الدينية بما فيها القضايا الميتافيزيقية أكثر من غيرها وأن يحاولوا المقارنة والتوفيق بين ما كتبه فيها الأقدمون لاسيما أفلاطون وأرسطو وبين ما جاء في العقيدة الإسلامية، وكان من أهم الفلاسفة المسلمين الذين عنوا عناية واضحة وكدوا فيها أذهانهم، وقدحوا فيها زناد أفكارهم هو المعلم الثاني وفيلسوف المسلمين بالحقيقة الفارابي، الذي طوف في أصقاعها وتجول بين ربوع مباحثها وقضاياها محاولا المقارنة والتوفيق بين المعطيات الدينية في هذا الجانب وبين آراء المتقدمين من الفلاسفة، كما حاول التوفيق بين آراء كل من أفلاطون وأرسطو من الفلاسفة المتقدمين، وفي هذا البحث أحاول الوقوف على ما جادت به أفكاره وتفتق عنه ذهنه وما أسهم به قلمه في هذا المضمار وهو الفيلسوف الذي عرف باطلاعه الواسع على فلسفة الأقدمين وهضمها، ومن ثم أنتج لنا فلسفة وضعته في مصاف عظماء الفلاسفة ليس على مستوى الفكر الإسلامي فقط بل على مستوى الفكر الإنساني عبر مراحله التاريخية المختلفة.