الثنائيات الضدية هي آلية من آليات الشاعرية الملهمة التي تتجلى من خلالها رؤى الشاعر الفلسفية للأشياء، ولمحاته الإبداعية تجاه الظواهر الكونية، وتكشف للمتلقي آفاقًا متعددة في النص الشعري، وبذلك يتحقق الاختلاف وتباين الرؤى بين القراء في النص الواحد، وهذا من سمات النصوص الأدبية الخالدة، وتبدو التجربة الشعرية عند ناجي لا سيما إزاء الموت والحياة تجربة ناضجة مكتملة الأركان واضحة المعالم، فشعر ناجي المعني بتصوير الموت والحياة (بحسبانهما من القضايا الكونية) هو في حقيقته تصوير للعناء الوجودي للإنسان المعاصر، واهتمامه بالواقع الإنساني الذي تتشابك معه القضايا الكونية، مع عنايته ببيان موقفه تجاه هذه الرؤى وصياغتها في شعره، وقد فاضت مشاعره بنفحات الطهر والإيمان وتجليات التصوف والصفاء، والتي كانت مردودًا لتجربته في عمومها، وتأثرًا بثقافته الواسعة في آداب الشرق والغرب، ووقوعه تحت مؤثرات شخصية واجتماعية وعاطفية ودينية أثرت في تجربته وأثرتها، وبدت تجربة ناجي - في ثنايا حديثه عن ثنائية الموت والحياة- وكأنها تعبير عن مخاوف الإنسان في العصر الحديث، وقلق الرؤيا إزاء الزمن وتوتره منه، وإحساسه بعدائيته إزاء أحلامه وطموحاته، وهيمنة هذا الشعور على الموقف، وكأنه عاش الموت في كل لحظة حياة، كما عبر ناجي بالمكان بتفاصيله وعناصره العلوية والأرضية بحسبانها رموزًا موحية عن واقعه وحياته ومعاناته، ومن ثَمَّ صار شعره رمزًا وصورة لذلك التوتر بين إرادة البقاء وإرادة الفناء، فكان للزمان والمكان تجليات في شعره، وصارا معينًا ارتوت منه تجربته، وصيغت من جمالياتهما أفكاره ورؤاه تجاه الموت والحياة، وكشفت عن ذلك الفنان المطبوع الذي صعد للسماء في مسراته، وهبط إلى الجحيم في مآسيه.