يتناول هذا البحث رواية "تغريبة القافر"للروائي العماني زهران القاسمي، وهي الرواية الفائزة بجائزة البوكر للرواية العربية لعام(2023م) ، وقد نسجَ الكاتب هذه الرواية  من تراث القرية العُمانية، وهو ما أعطاها هذه الخصوصية وهذه الشُّهرة، استخدم الكاتب القالب السِّيَريَّ في كتابة روايته، ونهَج نهْج الحكايات الشعبية، فكان هناك حكَّاءً شعبيًّا يَروي لنا قصة القرية وقصة الماء وقصة القافر بكلِّ الآمال والطموحات والأهداف والعقبات والانتكاسات، يحكي فيها عن القرية بكل مَساوئها وأخلاق أهلها، ويَعرض فيها للحياة الاجتماعية ولأصناف الناس ومُشكلاتهم الخُلقية ولمعتقداتهم الشعبية الغالبة عليهم بما تتضمَّنه من أساطير وخرافات وسحر وتأويلات غير منطقية للأمور، وكذلك لأهم سماتهم كالثرثرة وتناقُل الكلام وأكل حقوق الآخَرين والاتِّفاق على الباطل وغيرها؛ لذا فهذه الرواية تُمثل وثيقة أنثربولوجية. هكذا يَروي لنا الكاتب سيرة القرية، ويتعاضَد مع ذلك سيرة الماء، الذي تأتَّى الحديث عنه كونه جزءًا من المنظومة الإيكولوجية من جهة، ومن جهة أخرى رمزًا له دلالاته القابعة والماثلة من خلال علاقة القافر الغرائبية بالماء، التي تمرُّ بمراحل مختلفة بدءًا من استكشاف الأصوات المائية والتعامُل معها، وانتهاءً بالتوحُّد مع الماء، في تلك الرواية نجد للماء لغة وبلاغة، نجد الماء ينادي والقافر يُنصت ويردُّ، نجد علاقة عشق وهُيام تجمعهما، فكلٌّ منهما يبحث عن الآخر، تلك هي رواية (تغريبة القافر) والتي جمعت بين سيرة القرية وسيرة الماء، ومن هنا حاولت  التركيز على هذين المحورين اللذين يتركز حولهما السرد، من جهة أخرى، مستعينة بأدوات المنهج السيميائي الذي يسهم في الكشف عن مدلولات النص وعلاماته اللغوية وغير اللغوية، وآلية عمل هذه العلامات وعلاقتها ببعضها البعض داخل النص السردي، بما يتيح لنا سبر أغوار النص بطريقة علمية منهجية.