تتناول هذه الدراسة بنية الاستهلال الوصفي في سورة العاديات من منظور أن القرآن قد نزل بلغة العرب وأساليبهم، وراعى ذائقتهم، وتقاليدهم، فاستهل بجنس ما يستهلون به، أو يعرفونه في الاستهلال، متضمنة محاولة لتقصي بعض عناصر بنية الاستهلال في أشعار الجاهليين بغية رصد التجانس بينهما، سواء في مقدمات القصائد أو على مستوى فنون الوصف، وقد نظر الباحث في بنية الاستهلال على المستوي الإيقاعي والمعجمي والاشتقاقي والنحوي (التركيبي) والموضوعي(المضموني) والدرامي(السردي) بالشكل الذي قد يسهم في دراسة البُنى الوصفية، والوقوف على بعض أسرار النظم القرآني، واتساقه البنائي، وثرائه الدلالي، مدللا على تكامل بنية الاستهلال وثراء دلالتها، ووجود شبكة علاقات متشابكة ممتدة من بنية الاستهلال إلى المتن، وقد رصدت الدراسة صوتية الفاصلة القرآنية في السورة ودلالاتها، ومنطق تغايرها، وتكاملها الإيقاعي مع هذا التغاير، وكيفية الانتقال بين فواصل السورة كلها، على أربعة أقسام، وكيف روعي التجاور والتجانس في الانتقال، مع ملاءمة المعنى، وتمكين كل لون من ألوان الفاصلة لما بعده، بما يسم البنية الإيقاعية للسورة ككل بانسجام لا تستشعر معه ثغرة نغمية؛ ولكون الإيقاع إنما ينبني من خلال الصورة النحوية الأم، فقد نظرت الدراسة في الوحدات النحوية وطبيعة عملها، والعلاقات بينها، والأنساق الاشتقاقية الموحدة كمظهر من مظاهر التقسيم الإيقاعي القائم على التناسب والتكرار، وكذلك  البنية اللغوية على مستوى اللفظ والمعنى، وتشكل المعنى من خلال اللفظ، و تعدد عطاءاته، الذي جعل للبنية وجهين على مستوى الموضوع، الأول يتعلق بوصف خيل الغارة، والثاني بوصف رحلة الحجيج، ولكون الوصوف الواردة في الاستهلال قد اتصفت بحبك سردي جعلها تبدو كلقطات أو أحداث متنامية تبدأ وتتعقد وتنتهي، كان لابد من رصد ذلك الملمح، إظهارا للجمالية ولجدة الإخراج، وتفرد العرض، ومن حيث تتبع بنية الاستهلال الوصفي كوحدات أو عناصر وصفية، فقد التمست مثيلاتها في الشعر العربي ما تيسر لي، مدللا على أن القرآن لم يبعد عن طرائق العرب في الوصف، وعن طبيعة البنية الوصفية عندهم، سواء على مستوى وصف الخيل، أو وصف الرحلة، وللتدليل على وحدة السورة على مستوى الإيقاع واللغة والموضوع، فقد قمت بقراءة السورة على مستوى الإيقاع واللفظ والموضوع راصدا كل ما يمكن من أوجه التجانس والاتصال على المستويات كلها.