يُعد العَذْلِ أو اللوم من الأغراض التي احتلت مكانة كبيرة في الشعر العربي قديمه وحديثه، وقد انطلق من بواعث متعددة ما بين معنوية ومادية صبت في نهاية المطاف في معين إلقاء اللوم على النفس والمحيطين. ولسوف نخص بالذكر شاعرًا من شعراء الفترة العباسية الذين نأت عنهم مظاهر الاهتمام بهم وبمكانتهم الكبيرة في أوساطهم الأدبية والنقدية ألا وهو أبو عليّ البصير (ت 258هـ) فقد انطوى اسمه على مفارقة لفظية بل حسية، فأطلق عليه البصير رغم أنه كان مكفوفًا.. وقد كان للعذل عنده بُعدان يسيطران على واقعه الشعري هما: البعد الذاتي والبعد الاجتماعي، وتكمن أسئلة الدراسة فيما يأتي: ما دوافع العذل وبواعتثه عند البصير، وخصوصيته عنده وتعدد أنماطه ومستوياته؟ ولماذا كان من الشعراء المنسيين؟ ولماذا لم ينل مكانته التي يستحقها رغم بلاغة أسلوبه، وبراعة كلماته، وعمق دلالاته؟ أما عن منهج الدراسة؛ فقد عوَّلت على المنهج الأسلوبي التحليلي بما يتضمنه من جوانب إحصائية ووصفية لتكون غايتها في نهاية المطاف خدمة النص الأدبي، وفي الوقت ذاته الإجابة عن أسئلة الدراسة. ومن ثم فقد قسمتُ الدراسة إلى: المقدمة ثم الإطار النظري، ثم المبحث الأول: العذل على المستوى المادي وتجلياته. يليه المبحث الثاني: العذل على المستوى المعنوي ومظاهره، ثم النتائج والتوصيات المتمخضة عن الدراسة. وفي النهاية تمخض عن الدراسة عددٌ من النتائج منها: الكشف عن قيمة الذات عبر موقف الشاعر من نفسه ومن الآخرين، والفخر بالأصل والعلم والاعتداد بهما وقت المقارعة والحاجة، وترسيخ قيمة الشعراء العميان وتأصيل مكانتهم بمرور الزمن.