شُغل هذا البحث بدراسة التماسك النصي في قصيدة المتنبي "بِغَيْرِكَ رَاعِيًا عَبِثَ الذِّئَابُ" في مدح سيف الدولة الحمداني؛ وذلك لاكتنازها بعدد من وسائل الربط، التي أسهمت في إحكام النسج بين أجزائها ومتتالياتها، كما كان لها دور في إنتاج دلالتها وشعريتها، وتسلسل أحداثها تسلسلًا منطقيًّا، ولمَّا كان أصحاب علم اللغة النصي قد درجوا حديثًا على تصنيف التماسك النصي إلى نوعين؛ الأول: الاتساق أو التماسك الخطي، والثاني: الانسجام أو التماسك الدلالي، فقد نهج هذا البحث في هذه المقاربة نهجهم، واعتمد تقسيمهم هذا؛ ومن ثَمَّ تناول الإحالة والاستبدال والحذف والوصل والتكرار ضمن النوع الأول من التماسك، كما تناول التغريض وموضوع الخطاب ضمن النوع الثاني منه، وقد اُستهلت هذه الدراسة التطبيقية بتوطئة موجزة، وقفت على بعض آراء النقاد القدامى والمحدثين في وحدة القصيدة ومفهومها لديهم، كما تطرقت إلى علة إيثار مصطلح التماسك هنا على غيره من المصطلحات المناظرة له في الساحة النقدية، وعلى جهة الخصوص، فقد شجع على دراسة هذا الموضوع أن النقاد القدامى – برغم ما أثاروه حول شعر المتنبي من خصومة واسعة – لم يتناولوا بشكل صريح وحدة القصيدة لديه، واكتفوا – بما لا يحقق هذه الغاية - بالحديث عن المطالع والتخلص والخاتمة في شعره، وبرغم اهتمام الدراسات الحديثة بهذا الأمر، فإنها لم تدرس التماسك في القصيدة موضوع البحث، وإنما ذهب بعض المعاصرين من نقادنا إلى أن المتنبي لم تتضح في نفسه فكرة التجربة الشعرية.