باديء ذي بَدء، أود أن أشير إلى أن الشعر العربي في مراحله المختلفة قد مرَّ بتطورات كبيرة على مستوييْ الشكل والمضون، وقد أدت تلك التطورات إلى إعادة النظر في الشعر القديم بغية البحث عن الجوانب التي لم تنل الحظ الوافي من الدراسة، وقد كانت الجوانب النفسية من بينها، وما دفعني إلى اختيار ابن المعتز إنما يعود إلى سببين: أولاهما: إنه خليفة اليوم والليلة؛ فوددت أن أسبر أغوار شعره لمعرفة مبررات قلقه الدائم. وثانيهما يكمن في أن شاعرنا لم تُدرس أشعاره من ناحية دوافع القلق والرهق وبواعثهما، ويكمن سؤال الدراسة في: ما بواعث ذلك القلق في نفس الشاعر؟ وما مبرارته النفسية والاجتماعية؟. وفيما يتعلق بمنهج الدراسة، فهو المنهج التحليلي الأسلوبي وما يتضمنه من جوانب إحصائية ونفسية لتبيين تلك العلائق الوثيقة بين بواعث القلق وأثرها في شعره. وقد قسمتُ الدراسة إلى: الإطار النظري للدراسة، المبحث الأول: القلق من الزمان وتقلباته، المبحث الثاني: القلق من الأصحاب والأقارب وتقلباتهم، وفي نهاية المطاف كشفت لنا الدراسة عن الأثر الجلي الذي أحدثه الزمان في نَفْس ابن المعتز، كما أسقطت الدراسة القناع عن دور الأصحاب وتقلباتهم عليه وفق مصالحهم ونوازعهم.