تناول البحث موضوعًا أحسبه مهمًا، ألا وهو علة التضمين النحوي، وتبيّن ما لها من أثر نحوي وصرفي وبالتالي أثر في الدلالة، فالتضمين نوع من العدول عن المعنى؛ حيث ضُمِّن لفظٌ معنى لفظ آخر، فيُعْدَل عن معناه إلى المعنى المعدول إليه، أي: عدولٌ عن أصل ما وضع له، أو بمعنى آخر هو خروج عن المألوف. وتأتي دراسة التضمين النحوي في إطار ما امتازت به اللغة العربية عن غيرها من لغات البشر بظاهرة اتّساع المعنى، وتعدد دلالة اللفظة الواحدة بتعدد أنماط السياق، وَفَائِدَته أَن تُؤدِّي كلمة مؤدّى كَلِمَتَيْنِ، وجاءت دراسته في باب العلل النحوية؛ يمثل التضمين النحوي واحدة منها. والسؤال عن العلّة قديمٌ قدم البشرية، فقد وُجِدت يوم وُجد العقلُ البشري؛ حيث إن الله ــ عز وجل ـــ ميّز الإنسان بالعقل دون سائر الكائنات الأخرى. ويعدّ التعليل النحوي من القضايا المهمة التي شغلت أذهان الباحثين في مجال الدراسات النحوية حقبة ليست بالقليلة؛ لذا وجدناهم يتناولونه بالعرض والتحليل والنقد، في أبوابٍ مستقلةٍ، ومباحثَ منفردةٍ، في إطار محاولاتهم إيجاد المقاييس التي يطَّرد عليها مجيء الظاهرة النحوية؛ فهو أحد فروع القياس النحوي، وقد ارتبطت نشأة التعليل النحوي بنشأة النحو العربي؛ حيث وجد للعلة النحوية أثرٌ في كتب النَّحاة منذ زمن مبكر، مما يؤكّد على أنَّ الدراسة اللغوية والنحوية لم تكن بدعاً في التعليل؛ فقد لجأ إليه النّحاة عند وضع قواعدهم، فهو سِمَةٌ بارزة في الدرس النحوي العربي، ومَعلَمٌ ظاهر من معالِم منهجه. وقد بدأ البحث بتعريف العلة لغةً واصطلاحًا، دون الخوض في تفصيلات النحاة في هذا الباب، فلم يتعرض لذكر الخلاف الوارد حول نشأة التعليل النحوي، وعلى يد من كانت نشأته وبداياته، أو الاختلاف الدائر بين المعاصرين حول علل النحاة، وآرائهم المتعددة، وتخريجاتهم المتنوعة، وبمن تأثر النحاة في عللهم؟، هل تأثروا بالفلاسفة أو بالفقهاء؟ وغير ذلك. ثم اتّجه البحث لدراسة التضمين النحوي وبيّن أثره في التحول البنائي والدلالي، من خلال عرضه لنماذج تطبيقية من القرآن الكريم والحديث النبوي وكلام العرب، وقد توصلت الدراسة لبعض النتائج والتوصيات، منها: أن وجود ظاهرة التعليل النحوي من أبرز الظواهر اللغوية وجودًا وأثرًا وأهميةً، ولا غنى للبحث اللغوي عنها. يمكننا القول دُونَ أدنى غضاضة أنه لا تكاد تمرُّ ظاهرةٌ أو مسألةٌ نحويَّة وللعلة دور وأثر فيها؛ فقد عمل أهل اللغة على بيان العِلة من وراء كل ظاهرة أو مسألة، وبيان أدلة الاستقرار على آرائهم فيها. والله من وراء القصد.