برزت في نقدنا العربي عدة قضايا هامة في القديم والحديث، ومن بين تلك القضايا كانت قضية (اللفظ والمعنى) أو (الشكل والمضمون) على رأس تلك القضايا، فلم تنل قضية من قضايا النقد الأدبي اهتمام نقادنا العرب قديما وحديثا كما نالت قضية (الشكل والمضمون)، فقد اهتم بها النقاد اهتماما خاصا منذ القدم، وفصلوا القول فيها، ووضعوا، على طريق الإبداع الأدبي، خصائص للشكل الجيد، وخصائص للمضمون الجيد، تنظيريا، وتتبعوا تلك الخصائص ومدى الجودة فيها في نقداتهم التطبيقية للإبداع الأدبي.
ولعل السر في اهتمام النقاد بقضية (الشكل والمضمون) أنهما أساس العمل الأدبي وعماده، وبالإجادة فيهما تتحقق الإجادة للعمل الأدبي في كل عناصره، كما أنها قضية تشمل في إطارها العديد من قضايا النقد الأدبي الأخرى، حيث تتصل بها قضية (القديم والحديث)، وقضية (الطبع والصنعة)، وقضية (الصورة الفنية)، وقضية (الوحدة العضوية)، وغيرها.
وكما كانت تلك القضية محل اهتمام نقادنا القدامى، وبرزت في مؤلفاتهم ومقولاتهم وأحكامهم النقدية، كانت أيضا على رأس اهتمام نقادنا المحدثين، ووضعت فيها مصنفات كثيرة تجمع- في معظمها- بين التنظير والتطبيق، وبيان العلاقة بين الشكل والمضمون في العمل الأدبي، وحددوا خصائص الجودة في كل منهما نظريا وتطبيقيا.
وقد تناولت في بحث سابق (المضمون الأدبي من منظور النقد الأدبي الحديث)، ورأيت أن أتناول في هذا البحث، بالدراسة والتحليل، موقف النقد الأدبي الحديث من الشكل الأدبي؛ حيث برز الاهتمام بهذا الجانب بشكل واضح في تراث نقادنا المحدثين نظريا، سواء في مقولاتهم وآرائهم، ورسمهم لخصائص الشكل الجيد أمام الأدباء، وكذلك في نقداتهم التحليلية التطبيقية لنماذج من إبداع أدبائنا المحدثين، لا سيما في مجال الفن الشعرى.