عمد الشعراء المعاصرون إلى اقتراض تقنيات السرد في تجاربهم الشعرية المعاصرة؛ وذلك للخروج من أسر الغنائية المباشرة، وإضفاء طابع درامي على قصائدهم يتسم بالحيوية المستمدة من حركة الحدث في زمان ومكان معينين، يتفاعل مع الشخصيات في الحكي السردي. ولقد شكل القرآن الكريم مصدرا أساسيا من مصادر هذه التقنيات؛ لغنى قصصه بالدلالات الرمزية والوجودية التي تصلح للتعبير عن الحياة المعاصرة. وتعدّ تجربة نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وأمل دنقل نموذجا لتوظيف هذا القصص واستلهام دلالاته في تجارب الشعراء المعاصرين، وبرز في هذا الاستلهام قصص قابيل وهابيل بوصفها نموذجا للصراع الأبدي بين الخير والشر وتجسيد مأساوية الحياة في شعر نازك الملائكة، بينما برزت في تجربة بدر شاكر السياب قصة وِلَادَة السيد المسيح وأمّه السيدة مريم بوصفهما نموذجا للطهارة الأولى التي ترتبط بذكريات الإنسان في طفولته، على حين مثّلت قصة الطوفان نموذجا للكوارث الكبرى التي تكشف عن مواقف الناس في المجتمع المعاصر، في ظل أوضاع سياسية واجتماعية واقتصادية متباينة. ولقد حرصت الدراسة على تتبع تقنيات السرد في هذه النماذج، وتحليل أثرها الجمالي، واستنباط دلالاتها الفنية، من خلال المنهج الوصفي، بالاعتماد على منهجية السّرد نفسها في تتبع التقنيات التي أثّرت في قصائد هؤلاء الشعراء، وعبر التَّنَاص الذي شكّل الخلفية المعرفية لانتقال هذا القصص للشعر الحديث.