يتفق الكثير من أهل الثقافة والفكر على أن العالم يعيش أزمة إنسانية خطيرة في ظل ما تشهده الحضارة الإنسانية من صراعات دينية وفكرية وعرقية وسياسية وثقافية وجغرافية أدت إلى ترسيخ فكرة التصادم الحضاري التي أسهمت بشكل كبير في توسيع الهوة بين الثقافات والحضارات مما أدى إلى انتشار الفكر العنصري القائم على رفض الآخر. والمتتبع لهذه القضية الكبرى يجد أن السبب الرئيس لها يكمن في الانحراف الذي طغى على العقل البشري فشوشه وطمس هويته وجعله منكوسا يعمل على عكس ما أريد له فبدل أن يرسي للاستقامة تمرد على فطرته وبدل أن يعمر أصبح أكبر عامل من عوامل الهدم ولننظر جميعا إلى آثار ذلك في الأسلحة الحديثة الفتاكة وتلك الاختراعات التي أكلت ومازالت تأكل في البشرية وتعبث بمستقبلها. من أجل ذلك كان هذا البحث الذي هو بعنوان: (العقل في التصور القرآني) أستجلي فيه حقيقة العقل فما من منهج يعطيك تصورا كاملا عنه وعن حقيقته غير المنهج القرآني العظيم فهو الجدير بهذا دون غيره لأنه من لدن رب العالمين فالعقل في المنهج القرآني يمثل الركيزة العظمى التي بنيت عليها كينونة الإنسان وهويته وميزان غايته الكبرى التي تتمثل في خلافة الله في الأرض.
    وقد اعتمدت في دراستي على المنهج الاستنباطي وما يتبعه من عرض وتحليل وتقرير واستنباط، وذلك من خلال جمع الآيات القرآنية التي اشتمل عليها البحث وكتابتها بالرسم العثماني وعزوها إلى سورها وتوزيعها في فصول البحث ومباحثه وذلك بعرض الآية ثم عرض تفسيرها من مصدر واحد أو عدة مصادر إذا لزم الأمر وكان ذلك في خدمة الموضوع، ثم بعد ذلك التحليل واستنباط النتائج من خلال التعليق.