كَانَ للحياةِ الثَّقافيةِ والاجتماعيةِ، وتَعدُّدِ عَناصرِ المجتمعِ الأندلسيِّ، وشُيوُعِ الحريةِ الفكريةِ، وإجلالِ العلماءِ وتوقيرِهم ،والتَّعصُّبِ لمذهبِهم، أو اتجاهِهِم الفكريِّ من قِبَلِ تلامذتهِم، ومحاولةِ إظهارِ التَّفوقِ على كُلِّ مَشرقِيٍّ وَافِدٌ على الأندلسِ، كما كانَ للحُروبِ المستمرةِ بينَ المسلمينَ والممالكِ الإسبانيةِ ـــ كلُّ ذلك وغيرُه ـــ أَسهُمٌ في برُوزِ صُورِ الصِّراع،ِ وتَباينِ أشكالِهِ التي تَجلَّتْ على الأدبِ الأندلسيِّ بصفةٍ عامةٍ، والشِّعرِ منه بوَجْهٍ خاصٍّ.
مِن هُنا، تهدفُ هذه الدِّراسةُ إلى البحثِ عن صُورِ الصِّراعِ في الشِّعرِ الأندلسيِّ، وبيانِ دَورِ الشعرِ في نقلِها، والكشفِ عنها، مع الوُقوفِ بالدَّرسِ والتَّحليلِ على أهمِّ الأشكالِ والموضوعاتِ الشِّعريةِ التي تَجلَّتْ فيها هذه الصُّورِ.
وقد وظِّف المنهج التَّكامليّ لِلإيفاء بِمتطلَّبات هذه الدِّراسة، وكان مِن أَبرزِ نتائِجِها؛: أنَّ للصِّراعِ صُورًا كثيرةً؛ تقدحُ شراراتُه بين أيِّ متباينين،ِ فينقلُها الشعرُ بدورِه في صورةِ مديحٍ لأنصارِ الفريقِ، أو هجاءٍ للخُصومِ وأتباعِهم، أو في صورةِ نثرٍ فنيٍّ أو تأليفيٍّ، مع الفرقِ في اختلافِ دوافعِ الصراعِ: فكريةٍ كانت، أم نفسيةٍ، أم دينيةٍ، وأُسلوبِ الرَّدِّ وآليتِه، والقالبِ الذي تصبُّ فيه هذه الأشكالُ الصراعيةُ، وكانَ للتَّمسُّكِ بالمبادئِ الإسلاميةِ، والتَّحلِّي بالأخلاقِ العربيةِ الأصيلةِ عندَ الأندلسيينَ أثرٌ بالغٌ في صِبغةِ هذه الصُّورِ بصِبغةِ الالتزامِ، وإحلالِ الوُدِّ، والإخاءِ، والمواطنةِ، والإنصافِ، محلَ الكُرهِ والبُغضِ، والعداوةِ حتى مع غيرِ المسلمينَ.