لا جرم أن الإيقاع مرتبط بالطبيعة والروح, وهو مطلب رئيس من مطالب هذه اللغة الشريفة؛ ومن ثمَّ فإن هذا المطلب مقدَّمٌ على القاعدة النحوية في النظم القرآني الكريم, وذلك جانبٌ مهمٌّ من جوانب إعجازه, لأنه نزل على مقتضى المسلك العربي متحدِّيًا قومًا لا بضاعة لهم سوى الوزن والإيقاع والبيان؛ فكان لنظم القرآن وحسن سَبكه إعجازٌ يفوت قدرة البشر, هو غير الإعجاز الذي لِجُمله وتراكيبه وفصَاحةِ ألفاظه. وهذا البحث يُعَدُّ من أبكار الأفكار؛ لأنه يهدف إلى بيان أنه يمكن أن يُضحَّى بالقاعدة النحوية المطردة في سبيل الحفاظ على العنصر الموسيقي المطَّرِد, وكان المنهج هو الاستقراء شبه التام, ثم الانتقاء لما يُدلِّل على الفكرة, ويبيِّنُها. وقد توصل البحث إلى ما يأتي: أَوَّلًا: الْإِيقَاعُ شَيءٌ فِطْرِيٌّ لَدَى الْكَائِنَاتِ كُلِّهَا, وَلَهُ وَظِيفَةٌ إِيحَائِيَّةٌ مُهِمَّةٌ فِي نَقْلِ أَحَاسِيسِ مُبْدِعِ النَّصِّ. ثَانِيًا: حِرْصُ النَّظْمِ الْقُرْآنِيِّ الْحَكِيمِ عَلَى إِقَامَةِ اللَّازِمَةِ الْمُوسِيقِيَّةِ بِسَلْبِ الْقَاعِدَةِ النَّحْوِيَّةِ هُوَ جَانِبٌ مُهِمٌّ مِنْ جَوَانِبِ إِعْجَازِهِ الَّذِي يُغَايِرُ إِعْجَازَ جُمَلِهِ وَتَرَاكِيبِهِ وَفصَاحَةِ أَلْفَاظِهِ. ثَالِثًا: إِقَامَةُ الْإِيقَاعِ مَطْلَبٌ مُهِمٌّ جِدًّا مِنْ مَطَالِبِ النَّظْمِ الْقُرْآنِيِ الْحَكِيمِ؛ مِنْ أَجْلِ تَمْكِينِ الْمَعْنَى, وَتَحْسِينِ الْمَبْنَى, وَتَقْوِيّةِ الدَّلَالَةِ, وَتَغْذِيَةِ الْوِجْدَانِ. رَابِعًا: لِلنَّظْمِ الْقُرْآنِيِّ الْحَكِيمِ طَرَائِقُ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْ أَجْلِ إِقَامَةِ الْإِيقَاعِ, مِنْهَا سَلْبُ الْقَاعِدَةِ النَّحْوِيَّةِ؛ بِحَذْفِ الْيَاءِ مِنَ الِاسْمِ الْمَنْقُوصِ الْمُعَرَّفِ بِأَلْ, كَمَا فِي [ الْوَادِ- الْمُتَعَالِ ], وَبِتَذْكِيرِ الْمُؤَنَّثِ, كَمَا فِي [ حَسِيبَا ], وَبِجَمْعِ مَا هُوَ مُفْرَدٌ, كَمَا فِي [ إِلْيَاسِينَ ], وَبِالْإِتْيَانِ بِلُغَةٍ أُخْرَى لِلْكَلِمَةِ, كَمَا فِي [ سِينِينَ ]. خَامِسًا: تَرْكُ الْوَقْفِ عَلَى الْفَوَاصِلِ إِخْلالٌ بِحَقِّ الْمَقْرُوءِ مِنَ الْجَانِبِ الإِيقَاعِيِّ.