قدم السيوطي في مقامة (بلبل الروضة) جزيرة الروضة في صورة مبهرة متميزة، وضمن مقالته فيها حقائق علمية وتاريخية قيمة ممتزجة بنكت ولطائف؛ وملح وطرائف، فأثار في النفوس التشوق لزيارة هذه الجزيرة،  وحرك في القلوب التشوف إلى سكناها، وهو ما يجعل الذهن يقارن بين ما قدمه السيوطي في هذه المقامة وما يقدم اليوم من دعاية لبعض المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة، ليجد أن أساليب السيوطي في مقامة (بلبل الروضة) شكلت كثيرا من تقنيات الدعاية المستعملة في هذا العصر، وأنها تتفوق على ذلك كله بصياغتها في قالب أدبي متميز؛ من خلال أساليب بلاغية فنية؛ مدعومة باقتباسات من الكتاب والسنة وتضمينات من مأثور النثر والشعر، وعرض ذلك كله بسلاسة وانسجام وحسن سبك، يبرز بوضوح ما تمتع به السيوطي من عقلية فذة وعلم غزير وموهبة أدبية، مما مكنه أن يطوع اللغة ويوظف الأساليب ليشكل ما يدرس اليوم من تقنيات الدعاية.  وقد حاولت هذه الدراسة تناول ما في النص من تقنيات دعائية من منظور بلاغي، يبحث عن كيفية تشكيل فنون القول للتأثير الدعائي ومسلك ذلك في النفوس وما ينبني عليه من توجيه الإرادات وتكوين الاتجاهات، في محاولة للكشف عن دور الكلمة والأساليب البلاغية في تشكيل وتحقيق تقنيات الدعاية، دون الاستعانة بما يرد في كثير من الحملات الدعائية من إسفاف وابتذال، كما تحاول ربط القواعد والأصول النظرية بجانب من تطبيقاتها العملية من خلال نص قديم حصل فيه ما يقدم على أنه من مستحدثات العلوم.