على الرغم من تعدد الرؤى والنظريات المفسرة للثورات إلا أن هناك شبه اتفاق على أن لكل ثورة خصوصيتها التاريخية التي تنبع من الظروف والسياقات التي تحيط بها، وطبيعة العمليات المصاحبة لها، والنتائج المترتبة عليها، ولكن رغم الحرص على تأكيد هذه الخصوصية في قيام الثورات إلا أن ثمة محاولات لبحث العوامل المشتركة التي يمكن أن تولد الثورة أياً كانت الظروف المحيطة بها، والتي تتمثل في تدهور بنية المجتمع بكل أركانها والتي تعد العامل الأساسي في تدهور شرعية النظام السياسي وذلك ما يدفع الأفراد إلى الثورة. وإذا نظرنا من هذا المنظور لثورة أهل مصر في 25 يناير 2011 فأن ذلك يستوجب علينا أن نبدأ الدراسة الفعلية للثورة من حيث نبتت جذورها في بنية المجتمع، وهو ما يجب أن يستند إلى معرفة بالنسق المجتمعي والظروف البنائية Structural condition المشكلة لانطلاق الفعل السياسي والثوري وتواصله، والعوامل الداخلية والخارجية الموجهة لقيام الحركة الثورية وتلاقى أهدافها وتلاحمها مع كافة الشرائح الاجتماعية، وبذلك يمكن القول إن دراسة الثورة المصرية يجب أن تبدأ بدراسة مرحلة سابقة عليها في محاولة للتنقيب عن الجذور الاجتماعية المنبتة للثورة، وليس من المبالغة إذا قلنا أن البذور الأولى التي أثمرت ثورة 2011 قد غرست في بنية المجتمع في فترة بعيدة ترجع إلى ما بعد ثورة 52 بقليل ومن هنا كان من الضرورة أن يبدأ التناول في مرحلة سابقة على الثورة لمعرفة التغيرات العميقة التي حدثت في بنية المجتمع وكذلك في شخصية أفراده في محاولة تتبعيه لتطور المحاور الأساسية للبنية الاجتماعية للمجتمع المصري للفترة ما بين ثورة 1952 وثورة 2011 وفرضت على المجتمع أن يصحح مساره من خلال ثورة جديدة تعد فريدة في نوعها وخصائصها، وذلك هو الهدف الأساسي الذي تحاول الدراسة الحالية ان تحققه من خلال دراسة تحليلية تاريخية لتطورات حالة البنية المجتمعية المصرية.