يهدف هذا البحث إلى دراسة بواعث شعر البثِّ والشكوى عند امرئ القيس وأهم اتجاهاته، وتوضيح أبرز المعاني والمضامين التي كشف عنها هذا الشعر عند الشاعر، والانعكاسات النفسية له، وأهم الانفعالات والمشاعر التي تجلَّت من خلاله.
ولتحقيق أهداف البحث جاءت الدراسة في قسمين: القسم الأول مخصص للمادة النظرية؛ ويتضمن تحديد مفهوم البثِّ والشكوى، ثم توضيح بواعثهما في شعر امرئ القيس. وأمّا القسم الثاني فقد جاء للحديث عن اتجاهات البثِّ والشكوى في شعر امرئ القيس وتحليل النصوص الشعرية المتعلقة بها لكشف معاناة الشاعر والأزمات التي أحاطت به، وكيف عبَّر عنها وكشف عن عمقها في نفسه ووجدانه، ثم وضَّح البحث الانعكاسات النفسية لشعر الشكوى عند الشاعر وأهم المشاعر والانفعالات التي ظهرت من خلاله.
وخلص البحث إلى أنّ الشكوى عند امرئ القيس كانت بشكل عام إمّا نتيجة معاناة نفسية عاناها الشاعر بسبب ظروف قاهرة مرَّت عليه، أو مرض جسدي شديد ألمَّ به، وقد تآزرت أبياته لتشمل الأمرين معًا، وكان لموضوع الشكوى في شعره انعكاسات نفسية ظهرت في سيطرة مشاعر الحزن والقلق، والإحساس بالضعف والانكسار، واليأس وفقدان الأمل، والعيش في ذكريات الماضي، والنزعة الإنسانية التي بدت في شعور الشاعر بمعاناة الإنسان عامّة.
وهكذا كان هذا الشعر مرآة صادقة عكست معاناة الشاعر وبيّنت الأزمات والشدائد التي أحاطت به خلال مراحل حياته المختلفة ودعته للبثِّ والشكوى والبوح في هذه الأشعار، فحفظت جانبًا مهمًا من حياة هذا الشاعر المشهور، وقد تجلَّت في هذا الشعر المشاعر الإنسانية الصادقة والانفعالات الحقيقية التي جعلته يخرج من إطار الذاتية الفردية إلى التعبير عن القلق الوجودي والوجدان الإنساني بشكل عام.