سعى هذا البحث إلى الكشف عن التّشكيل الموسيقي في اعتذاريات النّابغة الذّبياني وعلاقته بالحالة النّفسية للشّاعر, وإحساسه بالذعر المتأتّي من وعيد الملك النّعمان, ومن ثمبيان أثر هذا التّشكيل على البناء الفني لقصائده و على متلقيه الخاص (النّعمان بن المنذر), و المتلقّي العام, وذلك بغية التحقّق من الفرضيّة الّتي ربط النّقاد فيها منذ القِدم بين الوزن الشّعري والغرض, وإقرارهم بوجود علاقة بين التشكيل الموسيقيوالحالة النّفسية للشّاعر, ومن ثم بيان علاقة ذلكبمفهوم البلاغة.
وقد اتبع البحث المنهج الوصفي التّحليلي من خلال انتقاء الشواهد الشعرية وتحليلها, وتألّف من مقدّمةومبحثين وخاتمة,بينت في المقدمة منهجية البحث وأهميته والعلاقة بين البلاغة والموسيقى, وتناول المبحث الأوّل الموسيقى الخارجيّة للاعتذاريات متمثّلة بالوزن والقافية, أما المبحث الثاني فقد عرض الموسيقى الدّاخلية ومكوّناتها, وفي الخاتمة خلصت إلى نتائج اتضح فيها تحقق الفرضية, و التزام النّابغة الفطريّ في تشكيل الموسيقى الشّعرية, وبدت براعته في الاستفادة من إمكانات البحور العروضيّة المنتقاة, وإمكانات القافية والروي المناسبين إلى جانب استفادته من مكونات بلاغية, و من الطاقة المنبعثةمن أصوات الحروف والألفاظ والعبارات و دلالات الصور- خاصة الصّور السّمعية منها-مما أتاح له فرصة بث همومه ونقل مخاوفه وإسماع صوته للملك بالشكل المناسب, فأضفت تلك الأصوات إيقاعا و طاقة موسيقيّة عذبة ومؤثرة في آن, وساعدت على استمالة النعمان وجذبه مما دفعه إلى قبول معذرة النّابغة والعفو عنه.