تعدّ التشريعات الخاصة بحقوق الإنسان رائدة في مجال الحث على تحقيق تنمية مستدامة فعلية، إذ أن الحق في التنمية لا ينفصل عن الحقوق الأساسية للإنسان كحقه في الحياة مثلا، بل يتعدى ذلك إلى كونه الأساس الذي تصان به الحقوق الأخرى سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو السياسية. كما أن التنمية هي مسؤولية الجميع أفرادا كانوا أو جماعات، ولا تتأتى إلا إذا احترمت حقوق الإنسان وتم الالتزام بالتشريعات الخاصة بها.
وبعيدا عن القوانين، لا يمكن الخوض في التنمية المستدامة وربطها بالحقوق الأساسية للإنسان دون توعية الناس وإقناعهم بما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات، فالحق في التعليم له دور فعال في إكساب المجتمعات المادة الأولية لمواجهة بؤر الأمية والجهل وتمكينهم من البحث والتفتح على العالم، وهنا يبرز الدور الحكومي في الربط بين تشريعات حقوق الإنسان ودمج أهم أهدافها ضمن البرامج التعليمية للمتعلمين، بالإضافة إلى الثقافة المجتمعية التي يكتسبها الأفراد من خلال دورات أو ورشات تنظمها منظمات المجتمع المدني، من ثم تتجلى أهمية تلك الجهود والإسهامات في تحقيق التنمية المستدامة.
لذلك فالحق في التنمية المستدامة هو جزء أساسي لا يتجزأ من حقوق الإنسان، يربط بين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبين الحقوق المدنية والسياسية، يبلور في عدة أشكال قانونية، دولية وداخلية، سواء كانت برامج تعليمية أو تثقيفية، عامة أو خاصة، وذات أبعاد سياسية، اقتصادية، اجتماعية، قانونية، بيئية، ثقافية ... إلخ، ويخضع للتشريع العام المعمول به من جهة، ومن جهة أخرى يوضح حقيقة دور الجهات المسؤولة عن وضع هذه التشريعات من أفراد المجتمع الدولي وهيئات دولية كالأمم المتحدة ومدى احترامها لحقوق الإنسان وإعمالها لأهداف التنمية المستدامة بكل شفافية.
وتعدّ الممكلة الأردنية الهاشمية أنموذجا دوليا ناجحا في إنشاء دولة مدنية تعمل على احترام حقوق الإنسان والحريات، فعلى المستوى الداخلي عززت موقفها من خلال إقرار مشروعات حقوقية متعددة، مثل إنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان وتعديل قانون إنشائها بما يتوافق مع مبادئ باريس، وتشكيل لجنة تُعنى بحقوق الإنسان في مجلسي الشورى والنواب، وإنشاء مفوضية حقوق الإنسان وغيرها من المنظمات الحكومية وغير الحكومية، وغيرها انطلاقًا من دستور المملكة والتشريعات الوطنية المنظمة لهذا المجال، أما على المستوى الدولي فإن وصولها إلى عضوية مجلس حقوق الإنسان سيتيح لها المجال لنقل تجاربها الناجحة إلى المستوى العالمي في إطار التعاون والعمل مع المجتمع الدولي للإسهام في تعزيز حقوق الإنسان وتنفيذ الرؤية الأردنية التي تم طرحها من خلال ملف ترشح المملكة والذي يتضمن سبعة (7) تعهدات رئيسية مبنية على إنجازات الأردن في مجالات حقوق المرأة، حقوق الطفل، محاربة الاتجار بالأشخاص، حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التسامح الديني وحرية المعتقد، حماية حقوق العمال وأهداف التنمية المستدامة.
وعليه، ستناقش هذه الدراسة حول الأساس القانوني للتنمية المستدامة وعلاقتها بحقوق الإنسان وهل يمكن اعتبارها جزء من هذه الحقوق أم أنها الأصل الذي تُستَمد منه باقي الحقوق الإنسانية، كما ستتناول الدور التربوي التعليمي والثقافي لحقوق الإنسان ومدى إسهامه في تحقيق التنمية المستدامة ضمن إطار قانوني عام دولي وداخلي، كما سيتم التعرض إلى التجربة الأردنية في مجال حقوق الإنسان وعلاقته بالتنمية المستدامة.