لقد سلطنا الضوء في هذا البحث على ظاهرة مهمة من ظواهر اللغة العربية، وهي ظاهرة الاقتصاد الدلالي التي تمثل أحد شقّي الاقتصاد اللغوي وقد تمّ تناوله بحلّة جديدة تختلف عن سابقاتها فقد نُظِر إلى الاقتصاد اللغوي نظرة تقتصر على كونه اقتصاد لفظي وتوسع دلالي وهذه نظرة قاصرة للاقتصاد اللغوي، فقد تمّ إغفال الاقتصاد الدلالي والتوسع اللفظي، الذي بدوره يمتلك أهمية اقتصادية لا تقل عن الاقتصاد اللفظي، فإذا كانت أهمية الاقتصاد اللفظي تكمن في استعمال الوسائل اللغوية باقتصاد، فأهمية الاقتصاد الدلالي تكمن في اختيار الوسائل اللغوية الأكثر دقّة وملائمة.
وما وجود الاقتصاد الدلالي في المستويات اللغوية المختلفة إلاّ دليل على مشروعية هذا الاتجاه في الدراسة، وقد تّم تناوله في هذا البحث من حيث البنية : التصغير (انموذجا)، وقد اتّضح أنّ التصغير اقتصاد دلالي وتوسع لفظي ؛ لأنّ صيغة التصغير حصل فيها زيادة عن الأصل الاشتقاقي لها، فهي ليست اختصارا للفظ، بل هي زيادة مقصودة في اللفظ لغرض تقليل المعنى ؛ لذلك فالوجه الاقتصادي للتصغيرهو الزيادة في المبنى التي تؤدي إلى نقصان وتقليل للمعنى، وهذا ما يجعله يندرج تحت الاقتصاد الدلالي.
وقد تمّ تناول الاقتصاد الدلالي في البحث من حيث التركيب، وفي ذلك تفصيل، فإذا كان التركيبان – المتوافقان في المعنى والمختلفان في اللفظ- في نص واحد، فهذا يدلّ على تقصّد المتكلم في شدّ انتباه المتلقي إلى الموضوع المطروح لأهميته، وإذا كان التركيبان في نصين مختلفين ولكن لمتكلم واحد، فهذا يدلّ على تعمّد المتكلم لإعمال ذهن المتلقي ؛ وذلك من طريق الربط بين معلومات كلا التركيبين، الذي يؤدي بدوره إلى الاستدلال والاستنتاج.
وقد ذهب البحث إلى أبعد من ذلك، إذ سلط الضوء على إمكانية تناول فكرة الاقتصاد في الدلالة التركيبية بين تركيبين، الأول لنص من نهج البلاغة، والآخر لنص من القرآن الكريم فالبحث من هذه الزاوية مفتوح للباحثين، ويوصل إلى نتائج يمكن الاستدلال من طريقها على وحدة المسار في أداء معاني الرسالة الإسلامية المتكاملة.