يتناول هذا البحث مفهوم السعادة لدى الفيلسوف الفرنسي المعاصر "آلان باديو"، والذي يسعى في معرض تناوله لموضوع السعادة، كمشكلة معاصرة من جهة، ومشكلة فلسفية تقليدية من جهة أخرى، إلى مقاربة مشكلة الفكر الفلسفي ذاته في عصرنا الراهن، وذلك من خلال الكشف عن نقطة التماس الرئيسية بين السعادة والفلسفة، ويقصد بها المعنى الحقيقي والأصيل للحياة الجديرة، فالإنسان عاجز عن العيش سعيداً إذا لم يكتشف معنى الحياة الحقيقية ويكتشف شروط تعينها. بالمقابل، فإن الكشف عن جوهر الحياة هو مهمة فلسفية بامتياز، لأنه يرتبط بوعي الإنسان بالوجود من حوله، وبوعي علاقته مع هذا الوجود أيضاً.
يعزي باديو عجز الإنسان اليوم عن استكشاف المعنى الحقيقي للسعادة لسببين رئيسيين؛ الأول هو أن الاتجاهات الفلسفية المعاصرة، وبسبب المناهج التي تعتمدها والغايات التي تنشدها، عاجزة عن صياغة وعي نظري يمكننا من فهم المعنى الحقيقي للحياة، وبالتالي معنى وجودنا فيها. أما السبب الثاني فيتعلق بخصائص عالمنا المعاصر كما هو اليوم، والذي يهيمن عليه التواصل السلعي والتجريد النقدي والإعلاء من أهمية الأمان الوهمي ونبذ القيم التي تحضّ على الشجاعة الفكرية والرغبة في التغيير والمغامرة.
يعتقد باديو بأن سبب فشل الفلسفات المعاصرة في الاستجابة لمشكلات العالم اليوم هو أن هذه الفلسفات مصممة لتتوافق مع هذا العالم كما هو ومع شكل الحياة التي يفرضها، وليس كما ينبغي أن تكون عليه الحياة الحقة وما نريده منها، ولذلك فسبب الحرمان من الحياة السعيدة هو العجز عن عيش الحياة التي تستحق، ولكي نعرف معنى الحياة الحقة فلا بدّ من أن نبدأ من إصلاح الفلسفة ذاتها، واستعادة مطلبها الرئيس؛ الحقيقة.