لا شك في أن الحياة التي يحياها الكاتب الدرامي تطبع أعماله الدرامية سواء أتم ذلك عن وعي أو إغفال خلال مرحلة الإبداع الفني، رغم مراعاة الموضوعية في عرض الحبكة والشخصيات الدرامية، حتى لا يغدو الموضوع ذاتيًا. فمثلًا، لا نستطيع التعرف على وليم شكسبير من خلال دراسة مسرحية هملت أو عطيل أو الملك لير، وذلك لمقدرته في التركيز على حبكة وشخصيات العمل الدرامي دون أن يقحم ذاته في الموضوع.
وخلال دراسة الباحث لأعمال الكاتب هنريك إبسن وجد أن هناك علاقة وثيقة بين الكاتب وبين أعماله الدرامية، وذلك على ضوء دراسة حياته من ناحية، وأعماله الدرامية من ناحية أخرى.
لقد عانى إبسن كثيرًا من الوحدة والغربة، حتى تعذر عليه الانسلاخ من إسقاط عذابه على أعماله لا شعوريًا، من هنا ربط الباحث بين حياته وبين نماذج من مسرحياته الدرامية، خصوصًا في مسرحيته الأخيرة موضوع البحث.
لقد دفع بنا إبسن إلى عرض قضايا إنسانية تثير كثيرًا من التساؤلات الفلسفية والاجتماعية والنفسية من خلال هذا العمل المبدع، فعنوان المسرحية يحتمل الكثير من التساؤلات المحيرة، والتي تجعل المتلقي أو المشاهد نُهبة الرهبة من هذا العنوان المثير. لقد جسد إبسن، بل وكشف لنا، عن أن هناك بعض البشر يعيشون حياتهم في عزلة وكآبة وحزن وتفكير في الماضي وخوف من المستقبل! إنهم يعانون طوال الوقت، ويعيشون في صمت قاتل مخيف، بل إنهم يعكفون على التفكير في الماضي رغبة في التقوقع داخل أعماق ذواتهم خوفًا من مواجهة الذات، وهربًا من التفكير في الغد، لأنهم لا يمتلكون الإرادة الإنسانية التي تخرجهم من الموت المعنوي الذي فرضوه على أنفسهم إلى الحياة الإنسانية الحقة، أو بمعنى درامي إنساني، كما أوضح الباحث، من الموت المعنوي إلى الخلاص والبعث الجديد واستقبال الحياة الطبيعية، فهناك من وجد خلاصه في التحرر من ربقة الماضي من طريق الإرادة الإنسانية التي منحها الخالق للبشر، (مثل شخصية مايا)، وهناك من وجد خلاصه في الانتحار هربًا من الموت المعنوي (مثل شخصية روبك).