يُعدّ الاغتراب من الظواهر البارزة في العصر الحديث؛ إذ يعيش الفرد حالة من الصراع بين نفسه والبيئة المحيطة به يصاحبها شعور بالانعزال الاجتماعي والقلق والحزن، أما الانتماء فهو عاطفة نبيلة سوية؛ لأنه ترجمةٌ صادقة للارتباط العضوي بين المواطن ووطنه، وضرورة العمل على رقيه وتطوره، والدفاع عنه، والتضحية من أجله، وهو من الظواهر الإيجابية في الأدب المعاصر، وقد جمعت أشعار محمود درويش بين الشعور بالاغتراب والإحساس بالانتماء لوطنه، حتّى غدت قصائده تحمل معاني الحب والاعتزاز والحنين إليه؛ إذ يقف المتلقّي أمام فيض من المشاعر التي تجسد عاطفة الشاعر وحالته النفسية، فترسخ في ذهنه مدى حنينه إلى وطنه وأمله في العودة إليه، من خلال ذكره لمشاعره الحزينة التي تعبّر عن تذمره من الغربة، وإحساسه الكئيب بالوحشة، وعدم الأمان والراحة والطمأنينة، وجزعه من فراق الأهل والأحبة، والتعطّش لأيام الطفولة ورفقة الأهل والأحباب، ومن الطبيعي أن تجمع في صدره هذه الأحاسيس القاتمة، ومعانيها المظلمة، وتتفاوت وسائل التعبير لديه عن الاغتراب في مرحلة شبابه وكهولته، فجنح في مرحلة الشباب إلى استخدام ألفاظ الغضب والنار والثورة وما إليها، وأساليب التكرار والاستفهام غير الحقيقي، في حين جنح إلى الأساليب الخبرية والاستفهام الحقيقي والحوار في كهولته، لتجسِّد لهيب الغربة والمشقة والحسرة، وظل يرددها حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، وذلك لينقل تجربته الذاتية في الاغتراب التي أيقظت عاطفة شعبه المقهور، وبثت فيه روح المقاومة، وعززت لديه الإحساس بالعزة والكرامة والانتماء الوطني.