تهتم الفنون المرئيةفي ابداع اعمال تستقي مقوماتها ومخرجاتها الصوتية والصورية من البيئة المحيطة بها،التي من شانها ان تنقل رسائل فكرية وجمالية، تعتمدتقاناتها علىالعلوم المجاورة ابتغاء التميز والتغير واحداث الصدمة، وبفعل التطورات الهائلة في الوسائلالسمعية والبصرية في عصر الالفية الثالثة، أصبح الانسان اليوم محاطا في البيت وأماكن العمل والترفيه بصور عالية الجودة تعادل مئات الكلمات في فعاليتها وتأثيرها، وتقتحم عالمه في كل الأمكنة، واصبح من الواجب تغيير الانساق القديمة باخرى حدثية لتكون ذات فعالية مؤثرة في الجماهير، وبهذا استثمرت الفنون ما قدمته ترسانة الأنظمة المعلوماتية المرئية الحديثة، والثورة العلمية السيبرانية،لاحداث اندماج بين العلوم المختلفة وإيجاد تجارب فنية تحتفي بالمغاير وتكسر المألوف وتحقق التواصل بفعل المجتمع الذي تنمحي معه الأماكن والازمنة للأنفتاح على دلالات تستوعب التقانات الحديثة، وتندمج فيه الذات مع العالم التكنولوجي، لتثير التلقي الكوني الباحث عن واقع متخيل تندمج فيه الالة مع الانسان، والتوصل الىقراءات مغايرة تكشف عن مستويات جديدة من الادراك وتكوين مفاهيم جمالية مميزة تحتفي بالبرمجة الالية.
ان التلاقح بين تكنولوجيا الاتصالخاصة السينما والتلفزيون، والعلوم السيبرانية اوجد فضاءً اتصاليا لبث أنظمة ثقافية تغادرتجنيسها لتكوين لغة جديدة يفهمها الاخر، الذي صار جزءً داخل سلطة المنظومة التكنولوجية التي تحيطه في كل مكان. وفي ضوء مقتضيات التداخل بين الوسائط الاتصالية والسيبرانية (علم التحكم الالي)، ظهرت تجارب بصرية تستقي مسوغات وجودها من شرط الاندماج والتفاعل الفكري والثقافي والالكتروني للإسهام في استثمار الثورة السيبرانية وتأطيرها ضمن حقل الخطاب السمعي والصوري والكشف عن الصورة السيبرانية السينمائية جاء هذا البحث (الاشتغاﻻت السيبرانية في الفلم السينمائي..عصر مابعد اﻻلفية)، الذي اشتمل على أربعة فصول، تضمن الفصل الأول الإطار المنهجي للبحث والمتضمن مشكلة البحث التي صاغها الباحث بالتساؤل الاتي: الى أي مدى انعكس تأثير العلوم السيبرانية على الانساق المتداولة في الفن السينمائي؟ واهميته، وأهدافه المتمثلة في التعرف على انعكاس واشتغال الوسائط السيبرانية في الفلم السينمائي، والتعرف على تحولات النسق التقني (التكنولوجي) في السينما في عصر ما بعد الالفية. اما الفصل الثاني الاطار النظري والدراسات السابقة الذي تضمن مبحثين، الأول بعنوان السيبرانية – اصالة المفهوم واشتغالات المعنى، والمبحث الثاني بعنوان السيبرانية... علائقية العلم والفن.فيما اهتم الفصل الثالثباجراءات البحث في تحليل عينة البحث، واشتمل الفصل الرابع على عرض لأهم النتائج والاستنتاجات التي تم التوصل اليها، فضلا عن المقترحات والتوصيات وقائمة المصادر النهائية وكذلك بعض الملاحق. ومن أبرز النتائج التي توصل اليها الباحث ما يأتي:
تبين من خلال تحليل العينة الفيلمية المختارة ان هنالك اشتغالاً تكنولوجياً عالي المستوى اعتمد الابهار والادهاش والمفاجأة ضمن التركيب البنائي للفيلم ذي الاتجاه السيبراني.
كشف التحليل عن تمظهر واضح الاشتغال للمفاهيم السيبرانية التي تحققت عبر التقنية التي اعتمدها الفيلم في بنية عناصر الشكل الفيلمي وبنسبة عالية جداً قياسا بالاشتغالات السيبرانية المتوافرة في بنية المضمون القصصي.
رصد الباحث ان الأفكار والمفاهيم السيبرانية تبلورت وعرضت في اغلب مشاهد الفيلم عبر تمثلاتها في تركيب وبناء الشخصيات الدرامية سواء اكانت شخصيات رئيسة أم ثانوية لاجل تحقيق التواصل العاطفي والفكري مع المتلقي.