اتسمت العلاقات بين الخلافة العباسية والدولة البيزنطية بالفتور في أغلب أوقاتها, لاسيما في العصر العباسي الأول(132-232ه/750-846م) الذي من الممكن أن نقول أنها وصلت لدرجة العداء المباشر بينهما, فكانت بيزنطة تنظر إلى الخلافة الناشئة بأنها القوة الكبرى التي من الممكن أن تكون منافسة لها على الصعيدين؛ الإقتصادي والحربي, وفي سبيل الدفاع والحفاظ - في آن واحد - على المصالح البيزنطية, حتم عليها التصدي للهجمات الإسلامية العباسية, ومن ثم الدخول في صراع حربي مع الخلافة العباسية للحفاظ على أمنها وسلامة ممتلكاتها.
وفي المقابل فقد حرص خلفاء بني العباس - وحسبنا الأوائل منهم - على اتخاذ تدابير صارمة لمواجهة القوة البيزنطية الغاشمة – من وجهة نظرهم – وذلك بانطلاق حملات حربية ممنهجة للاستيلاء على الثغور الواقعة بين الدولتين, وهي الحملات التي أُطلق عليها اسم (الصوائف والشواتي) والتي كان يقوم بها المسلمون على الثغور البيزنطية.
وقد تناولت في بداية هذا البحث السبب الرئيس في تسمية تلك الحملات بالصوائف والشواتي, والحديث عن دورها اختصارًا في العصر الأموي, وصولا إلى العصر العباسي الأول – وتحديدا - خلال عهد الخلفاء أبو جعفر والرشيد والمأمون, الذين بذلوا جهودًا مضنية في سبيل إخضاع الكثير من الثغور للسيادة العباسية, وذلك بإرسال الحملات العسكرية تواليًا تجاهها, وهو الأمر الذي كبد الدولة البيزنطية خسائر جمة - وحسبنا - الإقتصادية والعسكرية, والتي ازدادت كلما يتم نقض العهود من جانبهم.