سعد مكاوي في السائرون نيامًا لم يقع هنا تحت سيطرة المصدر التاريخي تمامًا في توظيفه لشخصياته، بل زاوج بين الشق التاريخي والشق المعاصر. إنه يبدع قصة تعتمد حدث تاريخي ورؤية واقعية وثائقية، لكنه عرف كيف يفيد من التاريخ بشخوصه وأحداثه، وكيف ينتقي من الأحداث ما يوافق طبيعة غرضه وأهدافه؛ " ففي اختيار المرحلة التاريخية ذكاء وتوفيق، مكنا الكاتب من أن يقول كلمته في الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي كان يعيشه هو، ولعل هذا هو الذي أضفى على روايته نكهة خاصة، وجعل النقاد يحارون في تصنيفها في ضوء النظريات التقليدية، أرواية تاريخية هي على غرار ما كان يكتب محمد سعيد العريان وعلي الجارم ومحمد فريد أبو حديد وعلي أحمد باكثير ؟! أم تراها رواية ذات رؤية اجتماعية ولصاحبها موقف سياسي ؟ أم إنها عمل فني خالص، فالكاتب كان يخضع مادته للإرادة الفنية، ولوجهة النظر، ولم يخضع هو للمادة التاريخية التي توافرت لديه "[i]. لقد احتشد في " السائرون نيامًا " عددٌ كبيرٌ من الأحداث والشخصيات والصراعات التي دار حولها محور العمل الروائي، الذي راوح بين مجتمعات وبيئات مغايرة ( حارة حمام بحي الخيامية، وقلعة الجبل وقصور الأمراء وسجونهم، وقرية ميت جهينة )، وعلى الرغم من هذا استطاع الكاتب استثمار هذه المعطيات في تدشينه لمعماره الروائي وصياغة شكله الفني، مع أنه لم يلتزم التزامًا تامًا بحقائق التاريخ، كنهاية الغوري مثلا، كما تلاعب بالزمن التاريخي لمصلحة الزمن الروائي، فعصر قايتباي الذي دام تسعة وعشرين عامًا لم ينل سوى إشارات تنطوي على الجانب العددي للسنوات مع إيماءات عن الرضى عن حكمه بوصفه كسرا في حلقة الظلم المفرغة، التي سرعان ما التأمت من بعده ثانية لتواصل دورانها الرهيب، وفي الوقت نفسه توقف عند الليلة الوحيدة التي قضاها خير بك في الحكم بما يعدل معالجته لمدة حكم قايتباي كلها.
[i] . بانوراما الرواية العربية، سيد حامد النساج، صــ 100 .