مرت الدولة العثمانية بالعديد من الأزمات الجيوسياسية فدخلت مرحلة الإنهيار الجغرافى وفقدانها السيطرة على أراضيها، وكنتيجة للعديد من الأزمات الإقتصادية والسياسية والعسكرية التى مرت بها الدولة، دعت الضرورة إلى إيجاد رؤية جديدة للدولة ونهج مسار الإصلاح. وقد إختلفت الرؤى والأفكار بين الساسة ورجال الدولة والأدباء والمثقفون حول رؤية الإصلاح، فرأى البعض ضرورة التمسك بموروث الدولة العثمانية بينما رأى البعض الأخر ضرورة إتباع السياسات الغربية وخاصة فرنسا للنهوض بالدولة، ومع إستمرار تضارب الرؤى والأفكار حول منهج الإصلاح أدى إلى نفاذ بعض المفاهيم للثقافات الغربية إلى المجتمع التركى، ومع قيام مصطفى كمال اتاتورك بالثورة الكمالية وإلغاء الخلافة وتأسيس الجمهورية التركية وفق مباىء جديدة تكون هى قاطرة الجمهورية نحو تحقيق التقدم، جائت المبادىء الكمالية لتقوم بتغير البنية التحتية الثقافية للمجتمع التركى، وتدفعه نحو الإنسلاخ عن هويته.
لم يكن الأدب بمنأى عن كل تلك التفاعلات الإجتماعية و السياسية فقام كثير من الأدباء بطريقة أو بأخرى بمحاولة تقديم رؤيتهم حول منهج الإصلاح عن طريق أعمالهم الادبية، ومن هنا تأتى أهمية الأديب التركى ممدوح شوكت اساندال حيث أنه فضلاً عن كونه أديباً إلا أنه أيضاً قد شغل مناصب رفيعة فى الجمهورية التركية، حيث شغل منصب سفيرا ثلاث مرات لدى عدة دول مختلفة، كما كان مستشاراً مقربا لحكام تلك الدول وأيضاً لمصطفى كمال اتاتورك، كما أنه سياسى بارز وعضوا بحزب الشعب الجمهورى، كما أنه قد شغل منصباً عسكرياً بالحزب كما عمل أيضأ معلماً فى العديد من المدارس المختلفة، هذا بالإضافة إلى إتقانه للعديد من اللغات منها الفارسية والروسية مما مكنه من الإطلاع على ثقافات العديد من الشعوب والمجتمعات.
ومما تقدم وبناء على الخلفية الأدبية والسياسية والدبلوماسية للأديب ممدوح شوكت اساندال، وفضلا على التفاعلات الجيوسياسية داخل الدولة العثمانية وحتى تأسيس الجمهورية، دعت الضرورة إلى فهم الأبعاد السياسية والإجتماعية للكاتب، ولكى يتمكن القارىء من ذلك كان لابد له من التطرق إلى الأنظمة السيميولوجية ودلالاتها فى كتابات اساندال من أجل الولوج إلى نصوصه وفهم قيمة النص الحقيقة وبالتالى فهم الرؤية الفلسفية للأديب واستنباط أراءه حول منهج الإصلاح والتى كانت تدور حول الإهتمام بالتعليم والشباب والمرأة، وإن كانت الضرورة تقتضى إقتباس بعض الأفكار عن الحضارات الغربية كمسار للإصلاح إلا أنها لابد وأن تكون بعيدة عن الهوية التركية.