كان للبيئة التي عاش فيها أبو حيان التوحيدي أثراً كبيراً دفعه إلى إنتاج نص هجائي يحتوي على نقد لاذع للسلطة في زمانه، بل وبلورة شخصية هذا الأديب الفيلسوف، الذي أرغِمَ على السير في طريق اليأس، تجلى ذلك في تأليفه لكتاب أخلاق الوزيرين؛ والذي مثل تحدياً لم يجرؤ أدباء كثر على خوض مثله، إلى جانب إحراقه لمؤلفاته في آخر أيامه، وهو ما كان بمثابة طامة كبرى صورت هذا الأديب وهو يقف يائساً على حافة الهاوية. وبالعودة إلى نص أخلاق الوزيرين الذي عنينا بتقديم قراءة لواقع تأليفه في بحثنا هذا، فقد جاء نتيجة لبغض أبي حيان للوزيرين (الصاحب بن عباد، وابن العميد) على ما بدر منهما تجاهه حين قصدهما، وذهبنا إلى أنه لم يهدف -من خلاله- إلى التأريخ لأحداث واقعية، بل كان هدفه أدبياً خالصاً، ركز فيه على البعد الرمزي لشخصيتي الوزيرين -وذلك برسم صورة ساخرة لهما، وتدوين هجائه لهما في ديوان العرب، فرأيناه يصرح بهجائه أحياناً، ويلمح به أحياناً أخرى، ولا يعني ذلك إهماله للبعد الإشاري؛ فقد رأينا في مواضع عدة من كتابه أنه أثبت حياديته بذكر فضائل وخصال حميدة للوزيرين، الأمر الذي أحدث لبساًً -وجعل نقاداً كثر يتهمونه بالتناقض- حاولنا أن نزيله من خلال قراءتنا لهذا النص.