اتسم المصرى القديم منذ بداياته بمحاولة فهم كل ما هو موجود حوله، وإيجاد تفسير أوتبرير لبعض الحوادث والظواهر المحيطة به. ولكنه فى بعض الأحيان لايستطيع أن يعرف حقيقتها وجوهرها أو إدراكها بما توصل إليه من خبرة وحواس فى بداية خطواته, وهذا ما دفعه للتدبر وإيقانه بوجود قوة غيبية لها قدرة تفوق قدرته، تستطيع التحكم فى الحوادث والظواهر المختلفة , فقد تأمل النيل ووجده يفيض ثم يغيض، ولاحظ البرق والرعد وسقوط الأمطار، وتتبع خروج النباتات من الأرض ونموها وإثمارها؛ فأدرك من تلك الظواهر وغيرها أن هناك قوة مؤثرة ومدبرة فى البيئة والكون، والتى لم يكن عقله يستطيع إدراكها.
ومن هنا انتابه إحساسٌ بالرغبة فى المعرفة والتأمل وبدأ يُفكر من جديد فى ماهية هذه القوة، وكيفية تصويرها وتحويلها إلى واقع محسوس من خلال خلق وسيلة للتواصل مع هذه القوة وتجسيدها فى بعض الظواهر والكائنات التى تتمتع بقدرات وخصائص تفوق تصوره؛ فتقرب إلى السماء والشمس والقمر والنجوم وهى ظواهر كونية تحمل الخير له املًا فى جلب نفعها؛ كما تقرب فى الوقت ذاته لظواهر أخرى تحمل مخاوف وأضراراً له (مثل الرعد والبرق)، وذلك أملاً فى دفع ضرها , ومن هذا المنطلق بدأت فكرة التقديس، وكان ذلك بمثابة خطوة أساسية لرسوخ العقائد المصرية القديمة فى العصور التاريخية.وبدأ المصرى فى أداء التقديمات من القرابين إلى ما قدسه من الصور المُجسدة لهذه الظواهر أوالكائنات وصاحب هذا التجسيد نوع من التجريد للأفكار والمفاهيم المرتبطة بتلك الظواهر والكائنات التى قدسها ونشأت منها عقيدته التى عبرت عن فكره الدينى والسياسى والاجتماعى وخضعت لبعض المتغيرات التى مر بها مجتمعه، سياسيةً كانت أم دينية أم اقتصادية أم عسكرية؛ لذلك اتسعت دائرة العقائد لتشمل كل ما يتعلق بالفلسفة الدينية، ونتاجها الفكرى والروحى.
فالتجسيد والتجريد فى الديانة المصرية القديمة متلازمان, فكل تجسيد واقعى يحوى فى دواخله تجريدًا, فارتبطت الطبيعة والغريزة والمتعة واللذة والألم بالتجسيد، في حين كان استنتاج الذهن والفهم والاستنباط والتفسير والتحليل والتعديل الناتج عن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مرتبطًا بالتجريد.
ومن هنا نرى أن المسار من التجسيد إلى التجريد هو المسار من المرحلة الأولية فى الفكر والعقيدة إلى المرحلة المتطورة والمتكاملة فى الدين والعقيدة ومن المرحلة البدائية إلى البناء الحضاري، من الحياة البسيطة إلى المركبة، من الفعل الحسي المباشر إلى الرمز والأسطورة .
ومن هنا طرأت فكرة البحث لتناول المعبود ماحس من خلال التجسيد والتجريد الذى لازم الديانة المصرية القديمة , ومن خلال تلك الفكرة نستطيع فهم ماهية عبادته وعقيدته وفلسفتها التى اعتقدها المصرى القديم.