يعرضُ هذا البحث لأنماط مهمة من أنماط تنفيذ النقوش الكتابية، وهي الكتابات المنفذة بالهيئة المتعاكسة، إذ تُعتبر هذه الأنماط من النقوش الكتابية من المجالات التي أبدع الخطاط فيها وبرزت فيها مواهبه، وقد عرفت وانتشرت في مصر في العصر المملوكي الجركسي، واستمرت في العصر العثماني، وبالغ وأبدع فيها الخطاطون وأنتجوا منها نماذج خطية لها مضامينها ودلالتها الفنية المختلفة، كما تنوعت أيضًا طرق تنفيذها وهيئات تشكيلها.
ويمكن تنميط هذه النقوش إلى ثلاثة أنماط: النمط الأول وهو الكتابة المرآتيه البسيطة، وقد بدأ هذا النمط مكونا من كلمتين أو ثلاث كلمات، ثم تطور هذا النمط إلى نمط آخر أصبح أكثر تركيبًا أو تعقيدًا وأصبح يتكون من أكثر من نص في النقش الكتابي واستخدم في تنفيذه أكثر من نمط من أنماط الخط العربي، والنمط الثالث؛ وهو الكتابة المتعاكسة الشكل في إطار المضمون والمنفذة بالطريقة المقلوبة، التي تمثل إحدى حالات إبداع الخطاط في ربط السمات الشكلية بالمضمون.
و تعرضُ الدراسة لهذه الأنماط من الكتابة في ثمانية عشر نقشًا كتابيًا بالمنشآت الدينية في العصر المملوكي الجركسي وهى: نقشان في جامع السلطان المؤيد شيخ 818 – 823هـ / 1415 – 1420م، ونقش في جامع القاضي يحيى زين الدين بالأزهر 848هـ / 1444م، وخمسة تشكيلات كتابية متعاكسة في جامع الأمير قجماس الإسحاقي 884 – 886هـ / 1479 – 1481م، وعشرة تشكيلات كتابية متعاكسة في قبة وخانقاة السلطان الغوري 909 – 910هـ / 1503 – 1504م، وقد تنوعت هذه النقوش أيضًا من حيث المواد الحاملة لها والمواضع المنفذة عليها، وطرق تنفيذها وتلوينها، والألوان المستخدمة بها وكذلك أنواع الخطوط المنفذة بها وأنماطها المختلفة، هذا بالإضافة إلى تنوع مضامينها.