كتابة التاريخ الحديث والمعاصر
في ظل الثورة المعرفية والتسجيل الإليكتروني للمعلومات[1]
ملخص/
يشهد العالم المعاصر ثورة تكنولوجية واسعة فى تسجيل التراث المعلوماتى والمعرفى، وكذا وسائل توصيلها. ويمكن القول أن ثورة التسجيل الإلكترونى للمعلومات والمعرفة تشبه إلى حد بعيد ثورة اختراع الطباعة وانتشارها. ولقد أثر هذا التطور التكنولوجى المعرفى على كافة العلوم، وتعدى الأمر إلى اعتبار رجال الاقتصاد أن الثورة المعرفية أصبحت تمثل ركناً اقتصادياً أصيلاً أطلق عليه اقتصاد المعرفة كما يشير ميثاق منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) حول حفظ التراث الرقمى، الذى جرى تبنيه فى أكتوبر عام 2003، إلى أنه يجب اعتماد المواد الإلكترونية تراثاً ورأس مال لنشاطات الأجيال القادمة
والمقصود بالتسجيل الإلكترونى للمعلومات فى الدراسة الحالية هو كافة أنواع مصادر المعلوماتالإلكترونية -غير المادية- التى تأخذ الشكل الإلكترونى من صور، وأفلام، وكتب ودوريات ورسائل جامعية تم تحويلها إلى الشكل الإلكترونى، أو كتب ودوريات تم تصميمها فى الأساس للنشر الإلكترونى، وكذا كافة أنواع الكتابات التى يمكن الاستشهاد بها فى الدراسات البحثية والموجودة عبر المواقع الإلكترونية لشبكة الإنترنت. أما فيما يخص الكتابة التاريخية وارتباطها بالثورة المعرفية وبالتسجيل الإلكترونى للمعلومات، فيمكن اعتبار كافة مصادر المعلومات الإلكترونية -سابقة الذكر- هى مصادر هامة تفيد الكتابة التاريخية. ويعتبر موضوع التسجيل الإلكترونى للمعلومات أحد المواضيع المهمة التى فرضت نفسها على المجتمع الأكاديمى بوجه عام، وعلى الباحثين فى علم التاريخ بوجه خاص، وهو الأمر الذى يتطلب – وخاصة من جانب باحثين علم التاريخ- ضبط أسلوب التعامل مع المعلومات التى يتم نشرها عبر وسائل الاتصال التكنولوجية، ووضعها فى إطار النقد العلمى الصحيح.
وتهدف الدراسة إلى إيجاد آلية ضبط أسلوب التعامل مع مصادر المعلومات الإلكترونية الواردة عبر وسائط الاتصال الحديثة ووضعها فى إطار النقد التاريخى العلمى الصحيح. مع الوضع فى الاعتبار المغذى من نشر تلك المعلومات، وخاصة فيما يتعلق بالمصادر الأولية مثل الوثائق التى يتم نشر البعض منها على دفعات –مثلما الحال فى الوثائق التى يتم نشرها على موقع (ويكيلكس: Wikileaks)؛ فالتعامل معها بشكل أصم قد ينتج عنه تشويه للحقيقة التاريخية، والذى قد يكون فى بعض الأحيان متعمداً. ومن ناحية أخرى فيجب الأخذ فى الاعتبار الجانب الإيجابى من نشر تلك المصادر عبر آليات الاتصال الحديثة وخاصة ما تحققه من التنوع فى المحتوى مع توفير الوقت والجهد والمال، والتأكيد على القيمة المعرفية المضافة والأبعاد الفلسفية التى حققها التداخل بين الرقمنة[vi] التكنولوجية ومصادر التراث، وهو الأمر الذى سيتضح خلال الدراسة الحالية.
واعتمدت الدراسة على العديد من المناهج العلمية منها المنهج الوصفى، ودراسة الحالة، والمنهج المقارن، والمنهج التحليلى، والاستنباطى؛ وذلك لتوضيح مجالات استخدام تكنولوجيا المعلومات فى بحوث التاريخ المعاصر بشكل أساسى، وتم صياغتهم جميعاً فى إطار منهج النقد التاريخى.
أما بالنسبة للدراسات السابقة، فقد وجد الباحث صعوبة فى العثور على دراسة تاريخية تنقد مصادر المعلومات الإلكترونية فى البحث التاريخى بشكل مباشر، ولكن الباحث استفاد من العديد من الدراسات السابقة العامة؛ مثل دراسة حسن عثمان، منهج البحث التاريخى؛ والتى استفاد منها الباحث فى إطار معايير النقد التاريخى بوجه عام. وكذا دراسة نبيل عبد الحميد سيد أحمد، الكتابة التاريخية ومنهج البحث؛ والتى أوضح فيها تجربته الشخصية فى متابعة اعتماد الباحثين على مصادر المعلومات الإلكترونية والتى أصبحت سمة أساسية فى كتابة البحث التاريخى. وكذا دراسة رضا عبد الواحد أمين، صحافة المصدر المفتوح وتأثيراتها على الصحافة الورقية- ويكيلكس نموذجاً؛ والتى قام خلالها الباحث بنقد صحافة المصدر المفتوح وموقع ويكيلكس كأحد المواقع الهامة التى ذاع صيتها فى نشر الوثائق. وكذا دراسة مصطفى محمود يسرى أحمد، الأعمال التسجيلية والتليفزيونية ما بين واقعية المضمون وذاتية أساليب التصميم والمعالجة؛ والتى أوضح خلالها أنواع الأعمال التسجيلية وأهميتها فى نشر التراث الفكرى، وقام كذلك بنقد تلك الأعمال التسجيلية التليفزيونية. كما اعتمدت الدراسة على العديد من الدراسات السابقة الأخرى والتى تم رصدها فى قائمة المصادر والمراجع فى نهاية الدراسة.
تم عرض البحث ومناقشته والموافقة عليه في المؤتمر الدولي الثالث بآداب دمنهور بعنوان الرقمنة بين الحاجة والضرورة ، مارس 2021 م .
يرى رجال الاقتصاد أن الوقت الراهن يتميز بوجود أربعة قطاعات اقتصادية، وهم: "الزراعة، والصناعة، والخدمات، والمعلومات". انظر: "أحمد أنور بدر، زهير سليمان مالكى، ناريمان إسماعيل متولى، مقدمة فى علم المعلومات: النشأة والتطور حتى العصر الرقمى،
اقتصاد المعرفة: هو نوع من الاقتصاد المتطور والقائم على استخدام تقنية المعلومات وشبكة الانترنت فى مختلف أوجه النشاط الاقتصادى، مرتكزاً بقوة المعرفة والإبداع واستخدام العقل البشرى كرأس المال، وتوظيف البحث العلمى لإحداث مجموعة من التغيرات الاستراتيجية فى طبيعة المحيط الاقتصادى. انظر:"محمد محمدى محمد مخلص، "استراتيجية مقترحة لتطوير كفايات البحث العلمى لدى طلبة الدراسات العليا بالجامعات السعودية فى ضوء مقومات اقتصاديات المعرفة"،.
ويتميز اقتصاد المعرفة بعدد من الخصائص التى تميزه عن أى نظام اقتصادى آخر، مثل الانفجار المعرفى والتطور التكنولوجى وانهيار الفواصل الجغرافية والتنافس فى نفس الوقت وارتفاع المكونات المعرفية وتضاؤل المكونات المادية، وهو بذلك يختلف بشكل كبير عن الاقتصاد التقليدى. ومن خصائصه أنه اقتصاد سرعة يعتمد على وسائل الاتصال الحديثة مثل الأقمار الصناعية وشبكة الإنترنت والبريد الإلكترونى وغيرها مما يؤدى إلى كسر حاجز الزمان والمكان. كما أنه اقتصاد شبكى يسهم فى تحقيق التفاعل بين مختلف المؤسسات داخل وخارج الدول وهو الأمر الذى يزيد من عملية التواصل، كما أنه يفتح أسواق جديدة، ويعيد صياغة مفهوم السوق من خلال الربط الشبكى الذى يجعل الأسواق الافتراضية مكاناً حقيقياً تسمح بالتبادل وإجراء كافة العمليات التجارية. فهو اقتصاد إبداعى، وابتكارى، وافتراضى، وإلكترونى، ومرتبط بالتقنيات الرقمية والتكنولوجية التى تسهم فى نقل وتخزين ومعالجة المعلومات وتوزيعها وتسويقها. انظر: "فاطمة رمضان عوض النجار، "استراتيجية مقترحة لتنمية كفايات البحث العلمى لدى طلاب الدراسات العليا فى ضوء متطلبات اقتصاد المعرفة"، وللإستزادة فى تأثير اقتصاد المعرفة على المجتمعات البشرية، انظر: "التقرير العالمى لليونسكو، من مجتمع المعلومات إلى مجتمعات المعرفة، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة،
مصادر المعلومات الإلكترونية: هى منشورات إلكترونية تحتوى على معلومات معدة للقراءة والاستخدام بشكل آلى من خلال الحاسب الآلى ومتاحة على أدوات مرتبطة محلياً بجهاز الحاسب مثل اسطوانات الليزر (CD- ROM)، أو عن بعد عن طريق شبكى. وتظهر بعدة أشكال من أبرزها قواعد المعلومات الببليوجرافية (Bibliographic Data Bases)، والكتب والمجلال الإلكترونية (Electronic Journals and Books) ، أو على صفحات شبكة الإنترنت..... إلخ. انظر: عبد الله محمد الشايع، "السلوك المعلوماتى للباحثين التربويين فى ظل البيئة الرقمية: دراسة تحليلية لمصادر المعلومات المستخدمة فى رسائل الدكتوراه التربوية بجامعة الإمام"، مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العلوم الإنسانية والاجتماعية،
وقد تكون تلك المصادر قد أتيحت بشكل ورقى سابقاً وتم تحويلها إلكترونياً فيما بعد، أو أنها متاحة فقط بشكل إلكترونى على شبكة الإنترنت مثل: المقالات، والدوريات، والكتب، والرسائل الجامعية.... . ومنها ما يمكن الحصول عليها مجاناً بواسطة محركات البحث على شبكة الإنترنت، أو يتم طرحها من خلال قواعد بيانات تتطلب اشتراكات مادية. انظر: إبريك يوسف مفتاح الماوى، "التحول الإلكترونى لمصادر المعلومات وتأثيره على الاستشهادات المرجعية: دراسة تحليلية للرسائل الجامعية"،
الموقع الإلكترونى: هو مكان إتاحة المعلومات الإلكترونية على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) من خلال عنوان محدد ويكون العنوان المحدد هو الرابط الذى يتكون منه اسم الموقع أو ما يعرف باسم الدومين. انظر: يعقوب محمد الحارثى، "
الرقمنة: هى عملية إدارة النصوص الإلكترونية بشكل يمكن الإطلاع عليه من خلال تطبيقات الحاسب الآلى.